منتدى تونس والتضامن الدولي مع فلسطين
أحمد جرادات – فلسطين
– نجاح مميز وإنجاز كبير للحركات الاجتماعية العربية و العالمية
انتهت قبل أسبوعين اعمال المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس العاصمة، وذلك بحضور مميز وكبير للحركات والمنظمات الاجتماعية العالمية، حيث شارك في المنتدى اكثر من اربعة آلاف حركة ومؤسسة،
وهذا رقم لم يحصل في تاريخ المنتدى منذ انطلاقته عام 2001 كرد فعل على العولمة الاقتصادية الامبريالية، وسيطرة القطب الواحد بعد انهيار المنطومة الاشتراكية، والنيوليبرالية المتوحشة، والعلاقات غير المتكافئة بين الدول والشعرب، وثقافة صراع الحضارات، وعودة الاستعمار العسكري المباشر الى الواجهة، وتصاعد حدة وقسوة الحروب الامبريالية بشكل مباشر او غير مباشر للسيطرة على مقدرات الشعوب، إضافة إلى العديد من القضايا التي تهم البشرية جمعاء والتي تعرضت ولا زالت للانتهاك الممنهج من قبل الامبريالية العالمية.
لقد جاء المنتدى في طبعته الاولى ليؤكد بان هذا العالم وهذا الواقع ليس هو العالم الذي تتحقق فيه سعادة البشر، وليس هو العالم الذي تتكافأ فيه الفرص بين الدول والشعوب، ولهذا لا بد من عالم آخر تبنى فيه العلاقات على اساس المساواة والاحترام المتبادل بين الدول والشعوب، حيث التوزيع العادل للخيرات، والتصدي الجماعي لكل ما يمس حياة البشرية من فقر وعوز، وخوف وقهر واضطهاد، وعلى هذا الأساس كان شعار المنتدى “عالم آخر ممكن” وعالم آخر ضروري. ولقد سجل منتدى تونس رقما قياسيا في تاريخ المنتدى الاجتماعي العالمي لعدد النشاطات المسجلة التي تجاوزت الف وخمسائمة نشاط .
لقد عقد المنتدى الإجتماعي العالمي الاول في عام 2001 في مدينة بورو اليجري في البرازيل، وتوالت دوراته في اكثر من بلد، وفي سياق ذلك تم تاسيس واطلاق منتديات اجتماعية اقليمية ووطنية، كلها كما المنتدى العالمي، محكومة برؤيتها لميثاق بورتو اليجيري الذي تمت صياغته في الدورة الاولى للمنتدى.
ما يهمنا التأكيد عليه هنا، هو انعقاد دورة المنتدى لهذا العام ولاول مرة في بلد عربي وهو تونس، ويأتي ذلك في إطار التحولات الاجتماعية في العديد من البلدان العربية وفي القلب منها التجربة الاولى التي رفعت رايتها في تونس، وبروز قوة الحركة الاجتماعية التونسية والعربية كقوة تغيير ذات ابعاد واضحة تجاه القضايا الوطنية والاجتماعية وجوهرها الكرامة القومية والإجتماعية، والاستقلال والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وضمان حقوق الانسان… كل هذا كان سببا وجيها ومقنعا ومشجعا للمجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالمي ليتخذ قراره بعقد المنتدى هذا العام في تونس.
من هنا، من شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية حيث سالت دماء شهداء الثورة والتغيير وتمترس الشعب التونسي خلف مطالبه دون مهادنة او مواربة او ضبايبة، وبشعار واضح ومطلب محدد (بن علي ارحل). وبالتضحيات تحقق الهدف وانتصر الشعب ليدشن بذلك عهدا جديدا في تونس وفي المنطقة مفاده ان الشعوب تستطيع التغيير، هذا ما كان في مصر، ولا زالت هذه العمليةالسياسية الإجنماعية مستمرة، من نفس المكان ومن نفس الشارع، انطقلت المسيرة الافتاحية للمنتدى بمشاركة ما يقارب الثلاثون الفا.
وعلى مدار اسبوع من اعمال المنتدى في التجمع الجامعي – المنار- في تونس دارت نقاشات مفتوحة ومحاضرات ودورات ومسيرات، حيث حضرت على طاولة المنتدى قضايا العالم في عملية معمقة لتبادل الافكار والآراء.
لقد تميز منتدى تونس بطرح العديد من القضايا ليست فقط من الزاوية النظرية، بل وأيضا في إطار التجارب العملية في المجتمعات المختلفة، مثل الاسلام السياسي، الدولة وهيكلها وقيمها والسلطة السياسية، الديمقراطية كمفهموم والتحولات الديمقراطية بابعادها العملية وذلك من وحي التجارب المستمرة في الوطن العربي حتى اللحظة، إلى جانب قضايا البئية وحقوق الانسان وحقوق المراة ، والاطفال ..الخ.
لقد حضرت في المنتدى وبقوة القضايا التي تهم البشرية مثل الفقر، الحروب الامبرالية، العلاقة بين الشعوب والدول.
في هذا السياق احتلت القضية الفلسطينية مكانتها في المنتدى بكل حيوية ، والقضية الفلسطينة ونضالات الشعب الفلسطيني هي قضية دائمة في المنتدى الاجتماعي العالمي، لكن ما ميز هذه الدورة:
اولا: اعطيت كلمتين لفلسطين في المسيرة الافتتاحية واحدة عامة واخرى تتعلق بالاسرى.
ثانيا: يوم الختام للمنتدى وهو 30 آذار كان تحت شعار يوم الارض، حيث انطلقت التظاهرة باتجاه مقر سفارة فلسطين وانتهت هناك تخليدا ليوم الارض وتضامنا مع الشعب الفلسطيني في نضاله العادل واعطيت الكلمة الرئيسية لفلسطين في هذه المسيرة الاممية الحاشدة، وتحت العلم الفلسطيني توقف الآلاف في حدث تضامني وحماسي مثير مؤكدين على حق الشعب الفلسطين في النضال لنيل حقوقه الوطنية في الحرية والإستقلال.
ثالثا: كانت قضايا الشعب الفلسطين ( الاسرى، اللاجئون، القدس، الاستيطان، حصار غزة..الخ) حاضرة عبر عشرات المحاضرات والندوات المنظمة من الحركات والمظمات الاجتماعية العربية والعالمية.
رابعا: تم بناء خيمة فلسطين في موقع ملائم على مدخل الجامعة حيث جرت اعمال المنتدى، مما شكل عنوانا جاذبا لالاف المشاركين، حيث ارتفعت الاعلام الفلسطينية الضخمة في المكان. وهذا ما كان مقرا من اللجنة التونسية المنظمة للمنتدى فيما عرف بفضاء فلسطين، تاكيدا على حضور القضية الفلسطينية في المنتدى.
خامسا: ومن اهم الانجازات بما يخص القضية الفلسطينة اعلان الجمعية الفلسطينية، والذي تميز في هذا المنتدى بالوضوح السياسي للقضية والحقوق الفلسطينية وخاصة الحقوق غير القابلة للتصرف، والتاكيد على بناء استراتيجيات تضامن وفق رؤية واضحة وعلى المستوى العالمي من خلال تبنيها من قبل الحركات الاجتماعية العالمية وذلك من خلال تصعيد ضغط الحركات على دولها وحكوماتها لمقاطعة اسرائيل كدولة احتلال بسبب انتهاكها للمواثيق الدولية وخاصة مباديء القانون الدولي عبر احتلالها غير الشرعي للاراضي الفلسطينية، وانتهاكها لحقوق الفلسطينيين.
لقد تميز هذا الاعلان بتحديده الواضح لاطر واستريجيات التضامن مع الشعب الفلسطيني وفق منظور عملي يمكن تحقيقه وابتعد عن العمومية التي تصبغ العديد من برامج ونشاطات التضامن القائمة. ولقد جاء هذا الاعلان بهذه القوة والوضوح عبر جهد الكثير من الاشقاء العرب و الاصدقاء من ممثلي الحركات الاجتماعية العالمية، وذلك بالإستناد للجهود التي بذلها الوفد الفلسطيني في العمل منذ سنوات بهدف إحداث نقلة نوعية في استراتيجيات التضامن بما يلامس ويتجاوب مع الظروف القاسية التي يعانيها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وتجاهل الحكومات لممارسات الاحتلال الاسرائيلي، لا بل وتبريرها والدفاع عنها في كثير من الاحيان. وأيضا في ظل استمرار بعض الحكومات في دعم الاحتلال في انتهاكاته اليومية لحقوق وحياة لشعب الفلسطيني.
لقد كان الحضور الفلسطيني في منتدى تونس العالمي حاشدا، حوالي 200 مشارك، جاؤا من مختلف اماكن التواجد الفلسطيني، الضفة الغربية، غزة، اللجوء والشتات، هذا إلى جانب الحضور الوازن للحركة الاجتماعية الفلسطينية ممثلا بالاتحادات الاجتماعية ذات البعد الشعبي – مرأة، عمال، طلبة ، منظمات غير حكومية ذات اختصاصات واهتمامات متعددة – لاجئين، مياه، اطفال، استيطان، معلمين، فن، اسرى..الخ. كما كان واضحا الحضور القوي للقوى الوطنية والسياسية الفلسطينية في المنتدى.