إنهاء التفجيرات على حدود كردستان العراق
لقد أدت عقود من القصف على طول حدود كردستان العراق والبلدان المجاورة لها في تركيا وإيران إلى نشوء أزمة إنسانية مستمرة بالنسبة لسكان القرى والأسر المهاجرة التي تسكن هذه المناطق. شهود عيان من المدنيين وأعضاء البلديات المحلية يرسمون صورة قاسية عن الآثار المستمرة لهذه الصراعات على السكان المحليين. التقرير المرفق هو عينة من التقارير التي رصدتها سي بي تي في الفترة من 2015 إلى 2017 توضح الحالة الراهنة للقرى المتضررة والمستوطنات الموسمية على طول حدود كردستان العراقية مع تركيا وإيران. واستنادا إلى هذه النتائج، ندعو حكومات تركيا وإيران والعراق وكردستان العراق، فضلا عن جماعات المقاومة المسلحة إلى ضمان حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم، والدخول في مفاوضات سلام دبلوماسية تفضي إلى وقف فوري لإطلاق النار. ونطلب أيضا من الحكومات والمؤسسات الأجنبية أن تسحب الدعم من هذه الصراعات على طول الحدود وأن تستخدم الوسائل الدبلوماسية للمساعدة في وضع حد لهذه الحرب التي طال أمدها. وبالإضافة إلى ذلك، من خلال تضخيم أصوات القرويين الذين يعيشون في هذه المناطق الحدودية يهدف سي بي تي إلى رفع مستوى الوعي وتشجيع عمل المجتمع الدولي.
الجهات الفاعلة الرئيسية
ان الجهات الفاعلة الرئيسية للصراعات الحالية عبر الحدود هي القوات المسلحة التركية وجمهورية إيران الإسلامية وعدة جماعات مسلحة داخل كردستان العراق. هذه الجماعات حملت السلاح ويدعون انهم يناضلون من أجل تقرير مصيرهم والوقوف ضد التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي للشعب الكردي في تركيا وإيران. الجماعة المسلحة والحركة السياسية ذات التأثير الأقوى وكذلك أكبر المسيطرين في المنطقة هم حزب العمال الكردستاني. بدأت هذه الجماعة القتال ضد الدولة التركية في الثمانينات بعد انقلاب عسكري في تركيا. في أوائل 1990، نقل حزب العمال الكردستاني العديد من مقاتليه ومخيماته وقواعده إلى كردستان العراق. الجماعات المسلحة الأخرى التي تستخدم هذه المنطقة الجبلية لعملياتها ضد قوات الدولة الإيرانية هي: حزب الحياة الحرة الكردستاني، وحركة كوملة الايرانية، وحزب كردستان الحر والحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران.
الاثر المدني التأريخي
تنتشر مئات القرى والبلدات الصغيرة على جبال ووادي زاكروس وعلى طول حدود كردستان العراقية. ويستخدم الآلاف من الراعاة المهاجرين وأسر المزارعين هذه المنطقة بين شهري آذار وتشرين الأول للزراعة وتربية القطعان وبيع المنتوجات الخاصة بهم. وكثيرا ما تستخدم القوات التركية والإيرانية طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر ومدفعية لقصف وإخفاء مخابئ الجماعات المسلحة التي تعيش أيضا داخل هذه الجبال. وقال مسؤول في القنصلية التركية في أربيل ل سي بي تي في عام 2017 أن الهجمات السابقة ضد القوات العسكرية التركية تحفز تركيا على مواصلة حملات القصف. ويؤكد حزب العمال الكردستاني أن الحكومة التركية نفت الشعب الكردي وحرمته من حقوقه في تركيا، واضافت بأنها لن تضع السلاح جنباً حتى يتم الاعتراف بحقوقهم الأصيلة واحترامها. ونتيجة للقصف الجوي المستمر عانى السكان المدنيون في جبال زاغروس معاناة كبيرة ولثلاثة قرون. بعد ان كانت هذه المنطقة شريان الحياة لكسب قوتهم وعيشهم.
2013-2015 وقف إطلاق النار
وخلال الحرب أعلن حزب العمال الكردستاني عددا من اتفاقات وقف إطلاق النار من جانب واحد. وقد بدأ آخر وقف لإطلاق النار في آذار / مارس 2013، واتخذ شكل مفاوضات سلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. عاد المهجرون إلى قراهم وبدأوا بالزراعة، وتربية قطعانهم وإعادة بناء منازلهم. وخلال هذه الفترة، ازدهرت المنطقة وفي تموز 2015، قطع اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، وفي الوقت نفسه، إيران والجماعات المسلحة الأخرى الضالعة في الأعمال العسكرية اعادت نشاطها. وأدى القصف المتجدد إلى إلحاق أضرار بالمنازل والهياكل المدنية، وفقدان الماشية، وحرق الحقول، وإصابات ووفيات في صفوف المدنيين.
القانون الدولي وانتهاكات المعاهدات
وقد اكدت كل من تركيا وايران مرارا حقوقهما فى الدفاع عن انفسهما ضد الجماعات المتمردة الكردية التى تنتمى الى دولهما حيث يزعم البلدين ان الهجمات التى تقتصرت على اهداف عسكرية. بينما يجب النظر في صحة هذه المطالبات فيما يتعلق بالتزامات البلدان بموجب القانون الدولي وطبيعة التدخلات العسكرية داخل العراق. ويخلص هذا الاستعراض إلى أن كلا البلدين انتهك، في هذه الغارات، القوانين والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان. وبما ان كلا البلدين موقعين على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف، فإنهما ملزمان بضمان تمييز المدنيين وحمايتهم بصورة كافية في تدخلاتهم العسكرية.
ويشير هذا التقرير الذي اعده فريق سي بي تي إلى أن الحكومتين الإيرانية والتركية قد انتهكتا بوضوح القوانين الدولية الموحدة. وقد فشلت الحكومتان في الامتثال للمعاهدات الدولية فيما يتعلق بحياة المدنيين وممتلكاتهم. وعلاوة على ذلك، يبين التقرير أن العمليات العسكرية للبلدين استهدفت القرى والقرويين مما أدى إلى وقوع إصابات، وتدمير ممتلكات المدنيين وسبل كسب العيش، والتشريد الجماعي.
الآثار الحالية على امدنيين
- الإصابات والموت: تؤكد الحكومتان التركية والإيرانية أنها لم تستهدف المدنيين خلال حملات القصف ضد حزب العمال الكردستاني والجماعات المسلحة الأخرى في المناطق الحدودية لكردستان العراق. بيد أن أشد الآثار التي يعاني منها الناس في مناطق النزاع هي الموت والإصابة الخطيرة.
- النزوح: في أوقات التفجيرات والقصف، غالبا ما يتم تشريد قرى متعددة. هذا النزوح يمكن أن يستمر من بضعة أيام إلى عقود. ويذكر ان حجم التشرد هائل جدا ومستمر غير أنه لا توجد سجلات حكومية شاملة دقيقة في العديد من المقاطعات لإحصاء اعداد المشردين.
- تلف الممتلكات: بالنسبة للأشخاص الذين لا يزالون في منازلهم الوضع في كثير من الأحيان قاسي جداً. إذ تسبب الارتجاجات الناجمة عن التفجيرات في انهيار المنازل بسهولة، وهدم الجدران الإسمنتية، وتحطيم النوافذ.
- فقدان الأراضي والماشية: تحدث العديد من التفجيرات خلال الأشهر الجافة وتستهدف المناطق الريفية. حيث ان هذه الأراضي تمثل مصدر العيش لمجتمعات بأكملها، كما أنها أماكن موسمية للإقامة للمزارعين المهاجرين. الا ان الحرارة الناجمة عن الانفجارات تسبب حرائق ضخمة تحرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتدمر المحاصيل والبساتين وخلايا النحل والأعشاب والحياة البرية المحلية.
- الصدمة: في جميع حالات التفجيرات الحدودية التي وثقها فريق سي بي تي, كان هناك تأثير ملحوظ وواضح على المدنيين. والأكثر وضوحا هو التأثير على الأسر التي تكبدت خسائر في الأرواح وكذلك الأطفال الذين تعرضوا للقصف المدمر. وقد سببت الطائرات الحربية وطائرات المراقبة بدون طيار الموجودة قرب القرى والموجهه من القواعد العسكرية التركية والإيرانية، التي يتم شن الهجمات منها، الكثير من الناس غير قادرين على أن يعيشوا حياتهم دون خوف من الهجمات في المستقبل.
- فقدان البنية التحتية: تعرضت البنية التحتية لأضرار بالغة بسبب القصف الجوي والانفجارات. بالاضافة للمنازل والمدارس ايضاً، كما يتم تدمير الطرق ومشاريع المياه والمشاريع الكهربائية. وقد شكل هذا ضغطا على السكان للحصول على الاحتياجات الأساسية. وبسبب ارتفاع مستوى التهديد، فإن الحكومة لم تستثمر في القرى المتضررة، وكثير منها يفتقر إلى الضروريات الأساسية.
- لا توجد أنظمة دعم في المنطقة: لا يوجد نظام موثوق به للمساعدة في أوقات الأزمات والقصف، فضلا عن عدم وجود خطط للمساعدة في إعادة توطين المشردين، وضحايا الهجمات عبر الحدود في كردستان العراق.
الاستنتاج
وكما يتضح من هذا الصراع الذي دام طويلا، فإن التكتيكات العسكرية الحالية ليست وسيلة فعالة لتحقيق السلام المستدام في المنطقة. وقد أصيب المدنيون الذين وقعوا في هذه النزاعات عبر الحدود بخسائر كبيرة في صفوفهم، وتوفى الكثير من أقاربهم، وتم إلحاق أضرار بالممتلكات، وفقدان سبل العيش، فضلا عن آثار مدمرة دائمة. إن استهداف القرى والأراضي الزراعية ينتهك القوانين الدولية ويتنافى مع حياة صحية للمدنيين في المناطق الحدودية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخسائر الزراعية تخلق عبئا على القطاع المالي الذي أضر بالمنطقة بالفعل والذي أثر على جميع مناطق كردستان العراق.
نرى أن هناك حاجة عاجلة وجدية لمحادثات السلام الدبلوماسية بين جميع الأطراف المعنية في هذه الصراعات. وعلاوة على ذلك، نحث المجتمع الدولي، بما في ذلك البلدان التي لها علاقات دبلوماسية مع الأطراف المعنية، على المساعدة في تهيئة مناخ يمكن أن تجري فيه هذه المحادثات.
كما يدعو فريق سي بي تي المنظمات الحكومية وغير الحكومية ايضاً الى تقييم الآثار التي يتعرض لها القرويون المحليون في هذه المناطق الحدودية بهدف توفير مساعدة فورية للمدنيين المتضررين.
الصور بواسطة سي بي تي. لمزيد من المعلومات, قم بزيارة http://cptikurdistan.blogspot.it/