العنف، يفسد ثورات الشعوب، ويحوّلها إلى عمليّات انتقام وتخريب ونهب وسَحْل و الديمقراطية لا يحققها من يمارس جهاد المناكحة
ادونيس:الديمقراطية لا يحققها من يمارس جهاد المناكحة
يقول ادونيس ان سوريا بلد متعددّ ثقافيّا ودينيّا، مثل العراق، وإذا ما استفحل العنف، فإنّ النتائج تكون كارثيّة على الجميع، على الحكّام وعلى الثّائرين
لندن/المسلة:وصف الشاعر العربي أدونيس ما يعيشه العرب بعد تغيرات “ثورات الربيع العربي” بالكذبة الكبيرة، مؤكدا انه كتب عليهم أن يعيشوا تاريخهم كوهم، وليس كحقيقة وككابوس لا كحلم جميل ، مبديا اسفه وتعجبه من مثقفين عرب يعتقدون ان الديمقراطية تتحقق على يد من يمارسون (جهاد المناكحة).
وعبر في تصريحات نقلتها صحيفة “العرب” اللندنية عن اعتقاده “أن ما حدث كان انتفاضات شعبيّة مشروعة ضدّ الفساد، والظلّم والقمع، وانعدام الحرّيات. غير أن القوى الرجعيّة، والأصوليّة استغلّت هذه الانتفاضات لصالحها”. واتهم القوى الأصولية بالسعي لجرّ الزّمن إلى الوراء “إلى ماض بعيد تحبس فيه الشّعوب، وفيه تكبّل الطّاقات بحيث لن يكون هناك وجود لا للحاضر ولا للمستقبل”.
وتساءل متعجبا من مثقفين ومن سياسيّين يعتقدون أن الديمقراطيّة في سوريا يمكن أن تتحققّ على يد من يمارسون العنف، ويرتكبون مجازر فظيعة، ويدعون إلى الفتنة جهارا، ويقومون بأعمال مشينة، ووحشيّة، ويمارسون ما يسمّونه بـ(جهاد المناكحة)، ويطالبون بتطبيق الشريعة.
وشدد قائلا “أنا أعجب من مثقفين، ومن سياسيّين يعتقدون أن الديمقراطيّة في سوريا يمكن أن تتحققّ على يد من يمارسون العنف، ويرتكبون مجازر فظيعة، ويدعون إلى الفتنة جهارا، ويقومون بأعمال مشينة، ووحشيّة، ويمارسون ما يسمّونه بـ(جهاد المناكحة)، ويطالبون بتطبيق الشريعة”.
وقال في الحوار الذي أجراه معه الكاتب التونسي حسونة المصباحي من العاصمة الفرنسية باريس إنه عبّر بوضوح عن موقفه منذ بداية الأحداث في سوريا، وتمنّى أن يتحاشى المتظاهرون العنف، “لأنّ التّاريخ ثبت بالأدلّة القاطعة أنه، أي العنف، يفسد ثورات الشعوب، ويحوّلها إلى عمليّات انتقام وتخريب ونهب وسَحْل”. وحذر بقوله إن “سوريا بلد متعددّ ثقافيّا ودينيّا، مثل العراق، وإذا ما استفحل العنف، فإنّ النتائج تكون كارثيّة على الجميع، على الحكّام وعلى الثّائرين”. وعبر أدونيس، الذي أثارت مواقفه السياسية جدلا متصاعدا في الأوساط الثقافية والسياسية، عن توقعه مسبقا عما يحدث الآن في بلاده خصوصا بعد أن بدأت المظاهرات تخرج من المساجد، وليس من المعامل، ومن المؤسسّات الحكوميّة، ومن الجامعات، ومن المنظّمات المدنيّة. ولاحظ الشاعر الذي عاش سنوات طويلة في بيروت وانتقل الى باريس أثناء الحرب اللبنانية، أن جلّ قادة المظاهرات أصوليّون متطرّفون، وجهاديّون. وتساءل بقوله “كيف يمكن أن تكون هناك ثورة ديمقراطيّة، كما يدّعي هؤلاء السّادة، وكثيرون من الذين يقاتلون ضمن ما يسمّى بالجيش الحرّ ينتمون إلى بلدان عربيّة وإسلاميّة؟ “. وأكد صاحب “أغاني مهيار الدمشقي” و”الثابت والمتحول” على تعوده على التهجّمات عليه منذ بداية مسيرته الفكريّة والشعريّة. ووصف الذين تهجموا عليه اليوم بأنهم سيهزمون في النهاية مثل الذين سبقوهم من دون أي ذكر أو أثر. قائلا ان “التّاريخ لا يرحم أعداء الحقيقة، والمزيّفين لها”. ووصف محاور أدونيس حديثه شابه نبرة مرارة وإن حاول جاهدا إخفاءها وهو يقول “أوطاننا العربيّة تطرد أبناءها الصّالحين، والصّادقين، والأوفياء لها محتفظة بمن هم راغبون في تخريبها، وتدميرها، وحرق أحلام شعبها، وزرع الفتن، والأحقاد بين أبنائها”.
وأوضح “حقّق العرب تقدّما هائلا في مجالات عديدة في النّصف الأوّل من القرن العشرين. فقد حرّروا بلدانهم من الاستعمار، وشرعوا في تحقيق مشروع النّهضة الذي برز في نهايات القرن التاسع عشر، والدّاعي إلى بناء الدولة الوطنيّة الحديثة، وتحقيق التقّدّم، والحريّة، والعدالة الاجتماعيّة، غير أن هذا المشروع العظيم واجه مصاعب كثيرة، ولم يكتب له النّجاح لأسباب يطول شرحها، وها هو ينهار الآن أمام أعيننا في هذه الفترة التي يسمّونها كذبا بربيع الثّورات العربيّة. وهل هي ثورات فعلا؟”.
وسبق وان رفض أدونيس الترحيب بالأنظمة الإسلامية التي استحوذت على الحكم في بلدان الثورات العربية. وأكد في حوار سابق أمتد على صفحتين بصحيفة “الغارديان” البريطانية رفضه “استبداد الأنظمة” وقال انه ضد نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، الا انه لا يرحب بوصول الإسلاميين إلى السلطة. وقال “أن الدكتاتورية العسكرية تسيطر على العقل، أما الحكم الإسلامي فيسيطر على العقل والجسد”.