من قضاء الجبايش، مهرجان الاهوار يطلق مناشدة عراقية لحماية الطبيعة
بعد ان احتفل العراقيون بإدراج اهوارهم على قائمة التراث العالمي قبل سنتين في تموز 2016، كان من المنتظر ان يكون هذا الحدث ايذاناً ببدء مرحلة جديدة من الانتعاش والازدهار لعموم مناطق الاهوار العراقية بعد ما عانته هذه المناطق من اوضاع سيئة على المستوى البيئي والخدمي والاقتصادي لسنوات طويلة. غير ان هذا الأمل سرعان ما تلاشى بمرور الوقت بعد استمرار الاهمال وعجز واضح في استثمار اعتراف العالم بالاهوار كمعلم دولي، حتى وصلت اليوم لواقع لا ينبئ بخير مع استمرار سياسات ادارة هذه المعالم بوضعها الحالي وتكرار ازمات الجفاف. مجموعة من منظمات المجتمع المدني تطلق نداء استغاثة من داخل الاهوار العراقية في مهرجان سمي بأسم “الاهوار”.
بمشاركة محلية ودولية واسعة، اشتركت جمعية حماة دجلة ومنظمة طبيعة العراق ومركز مشحوفنا الثقافي/ مركز المعلومة للبحث والتطوير في تنظيم مهرجان الاهوار الذي انطلق من قلب الاهوار الوسطى في قضاء الجبايش في محافظة ذي قار يوم الاربعاء 19 حزيران 2018. اذ جاء هذا المهرجان قبل ايام قليلة من اجتماع لجنة التراث العالمي لليونسكو في البحرين والتي ناقشت ملف الاهوار وابرز ما تم انجازه من التوصيات الدولية بخصوص هذا الملف لضمان بقائه على قائمة التراث العالمي.
بحضور وتغطية اعلامية واسعة من قنوات عراقية ودولية، حمل المهرجان رسائل حساسة تتوافق مع حجم الخطر المحدق بعموم الاهوار العراقية، والتحديات التي تواجهها الطبيعة ويعانيها الانسان في هذه المناطق، ويتمثل ابرزها بإنخفاض مناسيب المياه وخطر الجفاف الذي يلوح بآثاره السلبية على كل ما موجود من حياة طبيعية وتنوع احيائي ونشاط سكاني في الاهوار. كذلك مشاكل ارتفاع معدلات التلوث وما ينتج عنه من امراض واوبئة تفتك بالانسان والحيوان والطبيعة، اما بسبب اطلاق مياه الصرف الصحي مباشرة دون معالجة الى المجاري الفرعية التي تصب بدورها في الانهار الرئيسية ومن ثم الى الاهوار، او بسبب رمي النفايات والمخفات الصلبة غير القابلة للتحلل والمواد الكيمياويه في مياه الانهار، وهي مشاكل شخصها سكان مناطق الاهوار وتحدثوا عنها بمرارة بالاضافة لمعاناتهم الرئيسية من شحة المياه.
السيد مصطفى صمد احد شيوخ قضاء الجبايش افتتح المهرجان بالترحيب بضيوف القضاء القادمين من محافظات العراق ودول العالم المختلفة ليشاركوا سكان الاهوار همومهم ومناشداتهم، قائلاً: “. فيما اعقبه الدكتور فرانكو داغوستينو خبير الاثار المعروف ورئيس بعثة التنقيب الايطالية في العراق، الذي يشارك في المهرجان على رئس وفد دولي قادماً من ايطاليا ودول اوربية اخرى، اذ تحدث الدكتور داغوستينو بالنيابة عن زملاءه الدوليين عن رأي المجتمع الدولي بما تمر به الاهوار العراقية وما تمثله للحضارة الانسانية والعالم، مبدياً دعمه وزملاءه وتضامنهم مع اي حراك يهدف الى حماية هذه المعالم الطبيعية.
كما شهد المهرجان اطلاق كتاب “المفاوض العراقي وسد أليسو”، الذي يطرح قراءة في اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية لعام 1997، بحضور ومشاركة مؤلف الكتاب الدكتور اسماعيل داود الذي قدم على مسرح المهرجان خلاصة موجزه لما حاول الكتاب ان يطرحه من افكار وحلول يمكن للمفاوض العراقي الاستفادة منها في استحصال الحقوق المائية عند الجلوس على طاولة المفاوضات مع دول المنبع. كما تطرق الدكتور داود الذي يعد احد المؤسسين الاوائل لحملة انقاذ نهر دجلة قبل ست سنوات، تطرق الى موقف المجتمع المدني ومطالبه التي يضعها امام الحكومة العراقية في ملف المفاوضات مع تركيا وايران حول قضايا المياه، مشيراً الى ان التاخير والتسويف الذي شهده هذا الملف لن يعود سوى بالمزيد من الكوارث المائية على العراق، مطالباً الجهات المعنية بأتخاذ موقف حازم وواضح ازاء الدولتين بعيداً عن المصالح السياسية والحسابات الدبلوماسية.
من جانبه قدم الخبير البيئي جاسم الاسدي ممثل منظمة طبيعة العراق واحد المساهمين في تنظيم هذا المهرجان، استعراضاً شاملاً لواقع تذبذب مناسيب المياه خلال السنوات الاخيرة قبل ادراج الاهوار على قائمة التراث العالمي وبعدها، مبينأ حجم الأضرار التي يعانيها سكان هذه المنطقة بصفته احد المقيمين في اهوار الجبايش ومن العاكفين على دراسة ومتابعة الوضع المائي فيها. كما تحدث سلمان خيرالله ممثل جمعية حماة دجلة عن النضال المتواصل الذي تخوضه الجمعية في عموم محافظات العراق من اجل زيادة الوعي البيئي وحماية والحفاض على نواة الطبيعة في العراق وهي المياه، مشيراً الى ان الحركة الشبابية لحماة دجلة التي انطلقت من بغداد قبل ثلاث سنوات اصبحت اليوم فاعلة في ما يزيد عن 10 مدن عراقية، مشيراً الى ان اهتمامات الجمعية لا تتركز على حماية نهر دجلة فقط، انما تهتم بحماية جميع مصادر المياه في العراق من انهار رئيسية وروافد فرعية وبحيرات طبيعية وصناعية واراضي رطبة واهوار.
نشطاء واكاديميين اخرين ساهمو في اثراء الحدث وايصال رسائل حماية تراث العراق وارثه التاريخي كالدكتور عبد الامير الحمداني والخبير رشاد سليم القادمان من بريطانيا للمشاركة في المهرجان، واخرون. فيما تضمنت فعاليات المهرجان ايضاً اطلاق بازار ترويجي احتوى معروضات لمجاميع ومنظمات مختلفة شاركت في المهرجان، حيث كان لفريق مشحوفنا من مدينة الناصرية مشاركة مميزة عن حملتهم “اهوارنا تراث عالمي” التي اطلقوها العام الماضي وتستمر الى الان، كما قدمت منظمة طبيعة العراق مساحة فلكلورية احتوت اعمال يدوية مصنوعة بأيادي نساء من الاهوار، بالاضافة للمساحة الخاصة بجمعية حماة دجلة التي احتوت مختلف الدراسات والبحوث والمنشورات المتعلقة بنشاط الجمعية في مختلف القضايا المائية، كذلك مساحة خاصة بالحملة الدولية لانقاذ نهر دجلة والاهوار العراقية، بالاضافة لمشاركة مميزة من منتدى ميسان الاجتماعي، وايضاً معرض “عراق بلا رافدين” الذي يحوي صور فوتوغرافية لمصورين من مختلف المدن العراقية تحكي واقع الجفاف وتجسد معاناة الناس جراء هذا الواقع المأساوي.
من الجدير بالذكر ان مهرجان الاهوار الذي نظمته جمعية حماة دجلة ومنظمة طبيعة العراق، جاء بالتعاون مع مركز مشحوفنا الثقافي/ مركز والمنتدى الاجتماعي العراقي، وبالشراكة مع منظمة جسر الى الايطالية، ومبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي وحملة انقاذ نهر دجلة، وبدعم من الاتحاد الاوربي، ومؤسسة سي سي اف دي الفرنسية.
علي الكرخي، بغداد