قراءة أولية لمذكرة التفاهم الموقعة بالاحرف الاولى، بين العراق وتركيا في مجال المياه ٢٠١٩
اسماعيل داوود
حملة انقاذ نهر دجلة والاهوار العراقية ، نيسان ٢٠١٩
أعدت وزارة الغابات والمياه التركية و وزارة الموارد المائية العراقية، مذكرة تعاون مشتركة بين الطرفين مكونة من ١٢ فقرة، اشتركت في كتابتها وزارة الخارجية و السفارة التركية في بغداد ونظيراتهما العراقية. ويبدو ان العمل على المذكرة والمفاوضات الممهدة لها يعود لأواخر عام ٢٠١٤ واستمرت المفاوضات للاعوام التالية حيث حمل بعض الرسائل الرسمية تاريخ شهر اب ٢٠١٧ ، وربما سبق كل ذلك نقاشات رسمية وغير رسمية. التوقيع الأولي على المذكرة ، توقيع بالاحرف الاولى ولم يصل مرحلة التصديق، حصل من الوزارتين في اوائل عام ٢٠١٩، ويبدو ان الطرفين يستعدان لمرحلة التصديق[1]. ونشرت وزارة الخارجية العراقية خبرا مفاده ان الرئيس التركي أردوغان قد عين مبعوثا خاصا من جانبه للتفاوض مع العراق من اجل موضوع المياه، وان هذا المبعوث بصدد زيارة العراق قريبا[2].
مع كل هذا يغيب نقاش عن محتوى هذه المذكرة في الفضاء العام، وكعادته يحرص المفاوض العراقي على ابقاء الامر سراً، بالرغم من الحاجة لمثل هذا النقاش لغرض التاكد من كون هذه المذكرة تحفظ حق العراق و تستجيب للمعايير الدولية المرعية في هذا الخصوص.
وكون الاطار العام للمذكرة يتحدث عن تعاون وتبادل خبرات، يبدو ان المفاوض العراقي يعد هذا الاتفاق جيد وربما أنجاز سيتحقق، وهكذا تناولت صحف عراقية خبر هذه المذكرة، ومنذ مسودتها الاولى، بشكل ايجابي مشيرة الى انها ستضمن للعراق حصص من المياه في نهري دجلة والفرات[3]. فهل نحن متاكدين من أن هذه المذكرة تضمن حق العراق في مياه دجلة والفرات؟
أكتب هذه الملاحظات للاجابة على هذا السؤال المهم و ليس من باب المشاكسة، بل من باب النقد الهادف للوصول لأتفاقات تعزز من أمن العراق المائي ومن العلاقة مع الجارة تركيا بنفس الوقت.
ملاحظات أساسية على نص مذكرة التفاهم :
١- من اللافت للانتباه ان المذكرة المسربة من مصادر خاصة، متوفرة باللغة التركية والإنكليزية ولايوجد فيها النص باللغة العربية، وليس من الواضح ان كان الجانب العراقي قد طالب بادارج النص باللغة العربية ، خصوصا وان بعض المصطلحات والاشارات تحتاج لدقة عالية ليضمن المفاوض العراقي وصانع القرار في بغداد ان لا يحصل خلاف على تفسير النص او على المصطلحات المستخدمة. امل ان أكون هنا مخطئ وان هنالك نسخة عربية من المذكرة والا فكيف ستطرح على حكومتنا او نوابنا الكرام.
في هذه المذكرة و بشكل عام في مذكرات واتفاقيات مشابهة، من المهم جدا ان يطالب صانع القرار العراقي بكتابة نص المذكرة باللغة العربية، والاهم أن يكون هذا النص معتداً به بدرجة مساوية للنص باللغة آلإنكليزية او التركية، أثناء المفاوضات وقبل ان تصل الى مرحلة التوقيع او التصديق.
٢- تخلوا المذكرة، من ديباجتها الى اخر فقرة فيها، من اي اشارة للمعايير والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مما يؤكد الموقف التركي المستمر بالتعامل مع الجانب العراقي في اطار خاص ومنعزل عن تلك المعايير. بينما يبقى موقف المفاوض العراقي هنا غير واضح ، هل حاول إدراج اشارة للمعايير الدولية ولم تفلح محاولاته، ام انه لم يطرح الموضوع أصلا! وماذا عن اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية للعام ١٩٩٧ و التي إنظم العراق لها وعمل طويلا على دعوة الدول الاخرى لتوقيعها، والتي دخلت تاريخ النفاذ في العام ٢٠١٤ واصبحت ملزمة للعراق. اليس من المقلق ان تكون هذه المذكرة في اطار بعيد عن المعايير الدولية ، وعن كل الاتفاقيات السابقة بين البلدين، فما هو اذاً الاساس الذي بُني عليه محتواها!
٣- بينما تشير ديباجة المذكرة الى ”زيادة علاقة الصداقة بين الشعبين العراقي والتركي والى تطوير التعاون في مجال المياه“، والى الاعتراف باهمية التنمية المستدامة في حماية و تحسين استخدام المياه لصحة ورفاهية الاجيال الحالية والقادمة، والتذكير بان حماية الموارد الطبيعية والبيئة تتطلب بالضرورة تعاون علمي فني وتكنلوجي وثيق، و بينما تؤكد الفقرة (١) على ان مثل هذا التعاون يجب ان يبنى على اساس المساواة والمنفعة المتبادلة، وهذه كلها مبادئ عامة ايجابية، تاتي الفقرة (٢) (نقطة أ ) لتؤكد ان التركيز يشمل تطوير التعاون في ادارة الموارد المائية في ”المشاريع المشتركة“ فتنص : cooperation on joint projects on the water resources management in the Euphrates and Tigris shall further be developed. وهنا يجدر التساؤل ترى لماذا يقتصر تطوير التعاون على ”المشاريع المشتركة“ ثم، وهو الاهم، ماهي تلك المشاريع المشتركة. نحن نعرف ان السدود في تركياوخصوصا مشروع الغاب، واخرها سد اليسو على نهر دجلة، كلها مشاريع تركية اقيمت دون استشارة العراق ولا التنسيق معه، فترى اين هي المشاريع المشتركة! وكما تعودنا فان المفاوض التركي حينما يقدم مثل هذه العبارة فان من ورائها بالتاكيد هدف وغاية محددة، ثم ان وضعها في اهم فقرة في نص المذكرة ، وهي الفقرة (٢) والتي تمثل لُب المذكرة، يجعل من المهم التمعن فيها ودراستها. وتبدو هذه العبارة والمذكرة بدورها اطاراً قانونياً يسمح لتركيا بتنفيذ فكرتها في انشاء سدود جديدة تخدم سياساتها في المنطقة ولكن هذه المرة بالشراكة مع العراق، من ناحية الكلف والادارة لهذه السدود والتي تقع داخل التراب العراقي.
مذكرة لتشريع بناء السدود الثلاثة التركية الجديدة :
٤- وفقا لخارطة اعدتها دائرة التخطيط والمتابعة التابعة لوزارة الموارد المائية العراقية[4]، فان تركيا اقترحت اقامت ثلاثة سدود على الزاب الاعلى و أحد روافده داخل الحدود العراقية، ضمن محافظة اربيل في اقليم كوردستان العراق، وهي كالتالي: سد قرة داغ ، سد حاجي بيك و سد الزاب الصغير (على احد روافد الزاب الاعلى، لا يجب الخلط بين هذا الاسم وبين نهر الزاب الصغير الذي لايمر باربيل) ، واقترحت تركيا ان تقام هذه السدود بالشراكة بين الحكومة العراقية والحكومة التركية وان تدار بشكل مشترك. وتمتد الخزانات المائية لهذه السدود وهي على شكل حرف (U) في آلإنكليزية، من داخل العراق صعودا الى الحدود المشتركة دخولاً للتراب التركي قرب تلك الحدود. وتقترح تركيا ان تقوم ببناء هذه السدود الكهرومائية شركات تركية وان الطاقة الكهربائية التي ستنتج ستذهب للجانب العراقي وخصوصا اقليم كوردستان. ويبدو ان الجانب العراقي اقتنع بالخطة التركية، ونشر السيد جمال العادلي وزير الموارد العراقية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبووك) بانه اجرى زيارة استطلاعية لمواقع هذه السدود الثلاثة اصطحبها خلالها مسؤولين كبار في الوزارة وفي اقليم كوردستان العراق. وبالرغم من ان العراق وفي استراتيجيته التي اعدها حول المياه، والتي نشر منها ملخص فقط ولم تعلن للرأي العام، استنتج ان لاحاجة لسدود عملاقة جديدة في العراق، يبدو انه اعطى ضوء اخضر على بناء هذه السدود الثلاثة مخالفا لاستنتاجه ولاستراتيجيته طويلة المدى.
وقد يتساءل البعض، لكن ماهي مصلحة تركيا في دفع نصف تكاليف هذه السدود؟ هل هو الكرم التركي او احترام لحسن الجوار؟ الجواب هنا، وحسب المعلومات المتوفرة، يكمن في ثلاثة نقاط أساسية: الاولى ان تركيا تريد تشغيل شركاتها المتخصصة وان تضمن لها حصص في السوق العراقية وخصوصا بادارة المياه التي تتطلب مبالغ مهولة. النقطة الثانية ان تركيا تعتمد سياسة استخدام السدود لأغراض أمنية، فالحواجز التي تخلقها الخزانات الكبيرة عبر الحدود تمنع او تحد من تحركات المعارضين للحكومة وخصوصا مسلحي حزب العمال الكردستاني (PKK) ,وهذه السدود الثلاثة وبمواقعها التي حددتها تركيا هي ضمن السدود المخصصة للأغراض الأمنية. اما النقطة الثالثة فان المفاوض التركي يريد ان ”يطعمنا من لحم ثورنا“، كما يقول المثل العربي، فهو يشاركنا ادارة سدود داخل اراضينا ويعد بان تشغل هذه السدود بشكل مشترك، وان يضمن لنا حصص ملائمة من المياه. و هكذا يقلل من حدة الضغط على التشغيل للسدود التركية الجديدة على نهر دجلة ، خصوصا سد اليسو الخطير والذي اعلنت الحكومة التركية عن النية بتشغيله في اوائل شهر حزيران القادم. ومن هنا تتضح ان الاشارة ل ”المشاريع المشتركة“ هو تحديداً هذه السدود الجديدة، فاذا كان المفاوض العراقي يتوقع تنسيق على السدود التركية الاخرى فقد اساء الفهم وتاه في دوامة المصطلحات! والا فلم لا يتم التطرق لسد اليسو او سدود مشروع الغاب على نهري دجلة والفرات وروافدهما بشكل صريح في هذه المذكرة؟
٥- تخلوا مذكرة التفاهم من اي التزام تركي بعدم بناء مزيد من السدود على الانهار المشتركة وخصوصا نهر دجلة ، دون التنسيق مع العراق، ودون دراسة لأثر مثل تلك السدود على العراق وامنه المائي ، و كما هو مثبت وفقا للمعايير الدولية. بل وتخلوا المذكرة من اي اشارة الى تنسيق في ادارة او تشغيل سد اليسو ، أو وعود بعدم تنفيذ سد جزة المخصص لاغراض زراعية. لا يمكن الاستنتاج بان تركيا تلزم نفسها بالتنسيق مع العراق سوى في السدود والمشاريع المشتركة والتي لم يتم انشائها بعد!
٦- وتخص النقطة (b) من الفقرة ٢ تحديث تقنيات واساليب الري وتشير لدور محتمل للشركات التركية، وتشير النقطة (c) لدراسات مشتركة لنوعية مياه الشرب وتؤكد مرة اخرى على دور محتمل للشركات التركية. بينما تشير النقطة (d) لدراسات ومشاريع مشتركة للسيطرة على الفيضانات، و تشير النقطة (g) الى مشاركة تقييم المحطات الهيدرولوجية المتوفرة ، وبناء جديدة في حال كان هنالك حاجة. وتشير النقطة (e) لتدريبات مشتركة، بينما تشير النقطة (j) على ان التدريبات ستشمل ادارة السدود.
٧- وتشير النقطة (f) والنقطة (h) من الفقرة ٢ الى مشاركة المعلومات وتكثيف الاجتماعات مع سوريا. في اشارة الى عزل الجانب السوري من أساس الاتفاق، واشراكهم في مراحل لاحقة، مما يعزز الموقف التركي ويضعف نظيره العراقي والذي في العادة يتفق مع الموقف السوري في مواجهة الموقف التركي الصلب.
٨ – وتشير النقطة (i) الى ان الدعوة ستوجه للشركات المتخصصة التركية لمناقصات وعطاءات حول ادارة المياه وحول تحديث منظومات الري في العراق. وتكرار الشركات التركية في اكثر من فقرة هو دلالة على ان المذكرة تفتح المجال لحصة دسمة للشركات التركية على مدار الخمس سنوات القادمة، مدة هذه الاتفاقية كما ورد في متنها.
وبعد كل هذه الملاحظات من المشروع، يحق لنا ان نتسائل، هل على المفاوض العراقي القبول باتفاق مثل هذا بحجة ”ان اتفاق سيئ هو افضل من عدم وجود اتفاق“ ام ان المطلوب اليوم مراجعة جادة للموقف العراقي وتعزيز حوار مفتوح مع الجارة تركيا حول الادارة العامة لملف المياه المشتركة وفقاً للمعايير الدولية المرعية، فالاخيرة تمثل الطريق الآمن الذي يجب ان يسير فيه المفاوض وصاحب القرار العراقي، اذا ما رغب في الوصول. للمتابع الجاد والمختص هذه الأسطر مادة اولية مفتوحة للنقاش والاغناء.
للاطلاع على المذكرة باللغتين التركية والانكليزية، من هنا:
http://www.iraqicivilsociety.org/wp-content/uploads/2019/04/TR-Iraq_Water-Memorandum-copy.pdf
[1] ذكر احد البرلمانيين الاتراك لمصادر خاصة، بان المذكرة ستعرض على البرلمان التركي الاسبوع الثالث او الرابع من شهر ابريل ٢٠١٩
[2] وكالة بغداد بوست، عن السيد نزار الخيرلله وكيل وزير الخارجية العراقية، نشرت ٧ نيسان ٢٠١٩ ، الرابط : https://www.thebaghdadpost.com/en/Story/38123/To-resolve-water-issues-Turkey-appoints-new-special-envoy-to-Iraq-FM
[3] انظر على سبيل المثال الخبر الذي نشرته قناة السومرية (العراق وتركيا يوقعان مذكرة تفاهم لاطلاق كميات منصفة وعادلة من المياه) كانون الاول ٢٠١٤ ، متوفر على الرابط التالي: https://www.alsumaria.tv/news/120053/
[4] الخارطة متوفرة من مصادر خاصة من خارج الوزارة، لكنها تحمل ختم الوزارة واسم دائرة التخطيط والمتاعبة وتعود للعام ٢٠١٨ او للعام ٢٠١٧