ذكرى المؤتمر العاشر لمبادرة التضامن في بغداد عام 2019
مراجعة إستراتيجية المبادرة: الاستماع إلى أصوات شركائنا
في مثل هذا اليوم، قبل عامين، في 28 يناير 2019، نظمت مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي مؤتمرها الأول في بغداد والعاشر في تاريخها. جددت هذه المناسبة طاقاتنا وإرادتنا للعمل معًا، ومنذ ذلك الحين لم نتوقف أبدًا. في هذا العام، نريد أن نحتفل بالذكرى السنوية الثانية للمؤتمر، من خلال مشاركة شركائنا التقدم المحرز في عملية مراجعة إستراتيجية المبادرة والتي بدأناها قبل بضعة أشهر.
في عام 2014، اعتمدت مبادرة التضامن وثيقتين أساسيتين هما: بيان المهمة واللائحة الداخلية. منذ ذلك الحين، وطوال عملنا المستمر، قمنا بتطوير مناهجنا وحملاتنا دوماً، وشهدنا نمو حركة المنتدى الاجتماعي العراقي وتغير سياق المجتمع المدني العراقي. لقد رأينا، بالفعل، المجتمع المدني العراقي يتطور، ويترابط، وينضج، وصولاً الى احتجاجات أكتوبر والحركات النسائية، وعلى الرغم من جميع التحديات التي تميز الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي.
لكي نكون على دراية بهذه التطورات الجديدة ونواكبها كما يجب، وبالتالي لنكون قادرين على تقديم دعم أكثر منهجية للمجتمع المدني العراقي، قررنا مراجعة وثائقنا الأساسية. علاوة على ذلك، فقد بنينا تصوراتنا حول هذه المراجعة على أنها عملية تشاركية: فرصة لنجمع شركائنا ونتحاور معهم حول قيمنا، وتوجهاتنا، وخاصة فيما يتعلق بالتحديات الرئيسية، سواء كانت القضايا قصيرة أو طويلة الأمد، والتي يتطلع المجتمع المدني العراقي لدعمه فيها.
في سبتمبر 2020، بدأنا هذه العملية من خلال عقد ثلاث جلسات عصف ذهني، شارك فيها بشكل خاص شركاء عراقيون، وكذلك شركاء دوليون لم يفوتوا هذه المناسبة لإظهار تضامنهم. في فترة كوفيد -19، التي اتسمت بالصعوبات المتعددة الا ان الاجتماعات استمرت عبر الإنترنت مع العمل الجاد، نريد بالتالي أن نشكر شركائنا مساهمتهم الفاعلة، وتكريمًا لذكرى مؤتمر المبادرة في بغداد، وبدورنا كان لا بد لنا من ان نعكس بالفعل ان أصوات مسموعة: لقد أخذنا الملاحظات وطورنا جميع مداخلاتهم لإدراجها هيكليًا في وثائقنا الرسمية والتي حتمًا ستعبر عن هويتنا.
ركزت جلسة العصف الذهني الأولى (15 أكتوبر 2020) على هوية وقيم المبادرة. في هذه المناسبة، قررنا تعريف المبادرة على أنها “منصة تضامن” وأعدنا صياغة نهجنا تجاه المجتمع المدني العراقي، حيث نعتبر أنه أوسع من ان يتم اختصاره بالمنظمات الرسمية المسجلة، بل يمتد ليشمل المجموعات التطوعية غير الرسمية والنقابات والحركات الاجتماعية؛ ركزنا بعد ذلك، بين الأمور الأخرى، على نهجنا للتضامن، وتعريفه بأنه متبادل وفعال، لأنه لا يقتصر فقط على إظهار التعاطف، ولكن أيضًا اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم شركائنا الذين يكافحون من أجل السلام وحقوق الإنسان على أرض الواقع، بناء صلات عمل وثيقة مع المجتمع المدني العراقي، على الصعيدين الداخلي والدولي؛ لقد حددنا بعد ذلك مبادئنا الأساسية للعمل بمعنى النهج التشاركي، التصاعدي، والمراعي للنوع الاجتماعي، والقائم على الملكية، وتحديد أيضًا أهمية الالتزام بالسماح للمنظمات غير الحكومية الدولية التي تعمل في العراق بفهم أهمية سماع أصوات ومطالب المجتمع المدني العراقي كأساس لتعاون دولي فاعل ومستدام.
ركزت جلسة العصف الذهني الثانية (19 نوفمبر 2020) بشكل مركز للغاية على المجتمع المدني العراقي، لفهم تطوره مؤخرًا، والتحديات الرئيسية الحالية، والدور الذي يجب أن تلعبه المبادرة في هذا الصدد. أولاً، نظرًا لأهميتها، تناولنا قضية التهديدات والاعتداءات والاعتقالات والقتل التي يواجهها المدافعون العراقيون عن حقوق الإنسان والنشطاء في العراق، وخاصة في المناطق المحررة والمدن الحساسة مثل البصرة، وفي إقليم كردستان العراق. بالنظر إلى أن حرية التعبير وتكوين الجمعيات في العراق تتعرض لهجوم مستمر، فقد ظهر من شركائنا في المجتمع المدني العراقي مطلبًا كبيرًا للمجتمع الدولي لزيادة الضغط على السلطات العراقية، وتقديم المزيد من الدعم، أيضًا من الناحية المالية، من أجل دفع نضال منظمات المجتمع المدني العراقية سعيًا لترسيخ الحقوق المدنية والسياسية. علاوة على ذلك، تأكدنا في هذه الجلسة من أن المجتمع المدني العراقي بات مرهقًا من طريقة تعامل المجتمع الدولي مع التهديدات الخطيرة التي يواجهها العراقيون والتي تلخصت من خلال إصدار البيانات المكررة فقط، مما أثار بالتالي تساؤلات حول ضعف موقف المؤسسات الدولية في مواجهة الحكومة العراقية، وضرورة لتطبيق مناهج المناصرة واللاعنف الفعال والمباشر.
عند النظر إلى المجتمع المدني العراقي، يجب أن نولي أقصى قدر من الاهتمام لدور النساء والشباب، والذي يتزايد منذ بدء احتجاجات أكتوبر. الناشطات الشابات والنساء بحاجة، في الواقع، من جهة، إلى الدعم الاقتصادي، حيث لا يزال العديد منهم مجبرين على ترك النشاط لأنهم لا يستطيعون كسب لقمة العيش منه؛ ومن ناحية أخرى، فهم بحاجة أيضًا إلى تلقي الدعم لقدرتهم على بناء وإدارة برامجهم ومنظماتهم السياسية.
الدعم الدولي مطلوب أيضًا فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. أمام الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، أكدت النقابات العمالية على ازدياد معدلات الفقر والبطالة، واعتبرت الفساد عاملاً أساسياً يجب اعتباره أولوية، وضرورة العمل بطريقة هادفة لتطوير سياسات اجتماعية واقتصادية بديلة. وقد أدى ذلك إلى مطالبة المجتمع الدولي بتقديم الدعم للمجتمع المدني العراقي فيما يتعلق ببناء القدرات للقيام بمشاريع كسب الرزق، بينما تم التأكيد بشكل عام على أن البرامج في العراق يجب أن تبدأ في النظر بشكل أكبر في مسألة تعزيز الاقتصاد والحقوق الاجتماعية.
ثم تم التطرق إلى موضوع تأثير أزمة فيروس كورونا على المجتمع المدني العراقي. في هذا الصدد، ركزنا بشكل خاص على الاستخدام المتزايد لأدوات الإنترنت في أنشطة المجتمع المدني. من ناحية، يمكن اعتبار ذلك بمثابة تطور إيجابي للمجتمع المدني لاكتشاف وسائل جديدة للتواصل والحوار؛ ولكن من ناحية أخرى، فإنه يحدد الأهمية المتزايدة للعمل على بناء القدرات في مجال الأمن الرقمي.
المجموعة الكاملة من هذه القضايا، تم تناولها على وجه التحديد بمناسبة جلسة العصف الذهني الثالثة (17 ديسمبر 2020) ، والتي ركزت على “القضايا” التي تم تخصيص عمل المبادرة بشأنها في الماضي، وينبغي توجيهها في المستقبل. تناولنا هنا أهمية تحديد القضايا ذات الأولوية اعتمادًا على السياقات المحلية ولكننا حددنا في نفس الوقت القضايا الهيكلية التي يجب أن نوليها اهتمامًا خاصًا بشكل عام. انبثق من هذه المناقشة مجال عمل ضخم، بدءًا من نزع السلاح وبناء السلام والمصالحة – معالجة قضايا تجارة الأسلحة غير المشروعة للميليشيات والجماعات غير الرسمية، والتطرف العنيف، والاستدلال الأجنبي – إلى حماية المدافعون عن الحقوق الانسان، المساواة وحقوق النساء والشباب، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حماية البيئة والتراث الثقافي. كانت إحدى القضايا ذات الأولوية التي تم تحديدها آنذاك هي “الديمقراطية”، والتي تعني، على المدى المتوسط، العمل على مراقبة عملية الانتخابات العراقية 2021، وعلى المدى الطويل، العمل من أجل الحريات المدنية والسياسية ومساءلة المؤسسات العراقية.
للاضطلاع بعمل مبادرة التضامن في جميع هذه المجالات المختلفة، سيكون التواصل المنتظم أمرًا أساسيًا. من المهم حقًا أن يكون شركاؤنا على استعداد للاتصال بنا لتلقي الدعم ، وأن نحرص على التواصل والتحديث المستمر معهم، ورسم خرائط المبادرات على الأراضي العراقية. لهذا السبب، من المهم أيضًا السماح للمجتمع المدني العراقي بفهم أنه لا توجد منافسة: بدلاً من ذلك، توجد المبادرة كدعم.
سيستمر عملنا من أجل بناء هذا الدعم المنهجي، ضمن مجموعة التركيز المخصصة حول المراجعة الاستراتيجية، من خلال مراجعة لوائحنا الداخلية وهيكلنا، مع الأخذ في الاعتبار كيفية بناء الاتصالات والحفاظ على الاتصالات مع شركائنا. بعد هذه المرحلة، سيتم الانتهاء من عملية الإعتماد داخل الجمعية العمومية للمبادرة للوصول إلى الملاحظات النهائية لشركاء ICSSI والموافقة على المراجعة كمنتج جماعي، نتيجة لقدرتنا على الاستماع بنشاط لبعضنا البعض.