رسالة حماة دجلة بمناسبة يوم المياه العالمي
يحتفل العالم في ٢٢ اذار باليوم العالمي للمياه، إذ يمثل هذا اليوم فرصة عالمية لمراجعة سياسات إدارة الموارد المائية وطرق استهلاكنا لأهم مورد طبيعي يرتبط بوجودنا ومعيشتنا. يقف الملايين حول العالم للتذكير بالمخاطر التي تتعرض لها مصادر المياه والانهار والبحيرات والبرك والاهوار والمحيطات، والتغيرات التي تطرأ عليها نتيجة التلويث والاستهلاك المسرف وسوء الإدارة والعبث البشري. انه يوم لتوحيد مطالبنا بحماية جميع مصادر المياه بمختلف أنواعها، لضمان امننا ومستقبل الكوكب المائي والغذائي.
بهذه المناسبة تتعاون جمعية حماة دجلة في العراق وبالشراكة مع حملة انقاذ دجلة والاهوار العراقية ومبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي والمنتدى الاجتماعي العراقي، لإطلاق يوم بيئي موحد يتضمن أنشطة احتفالية متنوعة في ١١ مدينة عراقية هي (بغداد، البصرة، الموصل، السليمانية، الانبار، تكريت، الناصرية، ميسان، الديوانية، الكوت، بابل)، بالإضافة لعدد آخر من العواصم العالمية التي ستشارك العراقيون وقفتهم لهذا اليوم.
تتضمن فعاليات يوم المياه في العراق، وقفات تضامنية للتذكير بالتحديات التي تواجه المياه في بلاد ما بين النهرين، وانشطة للتوعية بالضرورة الحد من تلويث الموارد المائية والانهار ووقف الاستهلاك المسرف لها. يحمل حماة دجلة أربع رسائل رئيسية في احتفالهم بيوم المياه العالمي هذا العام، وهي:
الرسالة الأولى: المياه لا تعرف الحدود، لا للسدود:
تتشارك دول وادي الرافدين المياه منذ آلاف السنين، وتتقاسم شعوب هذه المنطقة المياه التي ساهمت في بناء حضارات توزعت على امتداد مسارات الأنهار. إن هذا التشارك ساهم تاريخياً بتوحيد الإرث الثقافي لشعوب المنطقة كما لم يوحده شيء آخر، هذا الإرث الذي امتزج دوماً بمياه الانهار. لم تعرف المنطقة مصطلحات مثل: دول المنبع، دول المصب، إلا حين بدأت عمليات إنشاء السدود! والتي ساهمت بتقطيع شرايين وادي الرافدين بالتدريج، حتى أصبحت فرص الحصول على احتياجات المياه متفاوتة بين الشعوب، فهناك وفرة مائية تفيض في كثير من الأحيان عن الحاجة في مناطق، وهناك جفاف وفقر مائي حاد في مناطق أخرى.
ان انشاء السدود العملاقة ومصادرة حق الشعوب في الحصول على امدادات المياه، واجبار الملايين على تغيير أنماط معيشتهم وتهديد امنهم المائي والغذائي عبر هذه السدود، هو أحد أكبر التحديات التي يجب الوقوف عندها. مشروع الغاب (جنوب شرق الاناضول) وأبرز سدوده اليسو والجزرة، ومشروع المياه الاستوائي في إيران، وغيرها العشرات من مشاريع السدود أصبحت تمثل خطراً متزايد لأمن واستقرار المنطقة، ورفاه شعوبها. حكومات المنطقة مطالبة بتغيير هذا النهج والنظر بعين الإنسانية واحترام حقوق الجميع في تشارك المياه.
الرسالة الثانية: تلويث الأنهار.. إرهاب آخر:
مياه المجاري والصرف الصحي تصب مباشرة في الأنهار، مخلفات المصانع والمعامل والمنشآت النفطية تصب مباشرة في الأنهار، نواتج العمليات الجراحية والافرازات الطبية للمستشفيات تصب مباشرة في الأنهار، مياه البزل المالحة للأراضي الزراعية والمشبعة بالكيمياويات تصب مباشرة في الأنهار، مخلفات المطاعم والكازينوهات والمنتجعات السياحية الواقعة على مجرى النهر تصب مباشرة في الأنهار، تجمعات الازبال والنفايات والمخلفات الصلبة تقع دوماً بالقرب من الأنهار التي تجرفها اثناء جريانها. يكاد يكون من الصعب حصر أشكال التلوث الحاصل على الأنهار، كما انه من الصعب حصر تأثيرها وفهم ابعادها بدقة بسبب هذا التنوع الواسع لمصادرها. علينا جميعاً الوقوف بصرامة وجدية لمواجهة هذا الواقع، وانهاء جميع مظاهره باعتباره أبشع اشكال الإرهاب. ان اعمال الإرهاب تستهدف مجاميع محددة من الناس، بينما يتسبب التلوث بموت جماعي، بطيء، مؤلم، وصامت، لجميع السكان الذين تمر هذه الأنهار الملوثة عبر مدنهم. يجب لهذا ان ينتهي، وان يوم المياه العالمي هو فرصة لنا جميعاً لمراجعة أنفسنا بهذا الشأن.
الرسالة الثالثة: بالترشيد الخير يزيد:
مع تغير كل المعايير البيئية للمنطقة، واختلاف شكل التدفقات المائية عبر الأنهار عما كانت عليه في السابق، لا تزال طريقة استهلاك المياه لوحدها لم تتغير، لا زلنا نشهد مظاهر الإسراف والتبذير في استهلاك المياه، لا زالت الاراضي الزراعية تعتمد الطرق التقليدية في ري المزروعات، ولا زالت أنماط عيشنا غير متكيفة مع واقع الندرة المائية. انها لحظة نتأمل فيها حقيقة ان واقع المياه في الوقت الحالي لم يعد كما كان عليه في السابق، وان (الوفرة المائية) التي كانت في السابق تتيح استهلاك المياه بلا مبالاة، أصبحت اليوم (شحة) لا يمكن معها الا إعادة النظر في طرق استهلاكنا، والالتزام بمبادئ ترشيد الاستهلاك بشكل جدي.
الرسالة الرابعة: معاً من اجل إدارة مائية رشيدة:
أصبحت الحاجة أكبر من أي وقت مضى لمراجعة سياسات إدارة الموارد المائية داخل العراق، إذ ان توزيع الحصص المائية بين المدن والمحافظات والأقاليم المختلفة يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار الاحتياجات المنطقية والعلمية المدروسة لكل رقعة جغرافية، من حيث التعداد السكاني، ومساحة الأراضي الزراعية، والاحتياجات الصناعية واشكال الاستهلاك الأساسي الأخرى. يجب الشروع بإعداد دراسات للجدوى الاقتصادية لأنواع المزروعات وتقييم الكميات المائية التي تستهلكها هذه المزروعات ومقارنتها بالاحتياج الوطني ومدى قدرة هذه المنتجات على تغطية احتياجات السوق المحلي.
ان التجاوزات على الأنهار واستهلاك كميات من المياه أكثر من المقرر تترك العديد من محافظات الجنوب واذناب الأنهر عاجزة عن تأمين احتياجاتها وفي حالة فقر مائي خصوصاً اثناء مواسم الشحة. يجب تحقيق رؤية وطنية مشتركة تكفل للجميع الحصول على حقوقهم من المياه بناءًا على احتياجاتهم الفعلية.