المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

صانع القرار وتطورات الموقف من سد مكحول (3.2)

أتخذ المجلس الوزاري للطاقة العراقي، قرار بالموافقة على توصية اللجنة العليا للمياه (جلستها ٦-١٠-٢٠١٩)، بتنفيذ سد مكحول و أوعز إلى وزارة المالية والتخطيط بإدراجه في الخطة المالية لعام ٢٠٢٠.[1] في شهر أب من عام ٢٠٢٠، قال السيد محمد زيدان، مدير ناحية “الزوية” شمالي قضاء “بيجي” في محافظة صلاح الدين، إن فريقاً مختصاً من الموارد المائية أجرى كشفاً موقعياً لمشروع “سد مكحول السيادي” المقرر أنشاؤه ضمن المناطق الممتدة في أطراف الزوية، “قرية المسحك” وحدود قضاء “الشرقاط” شمالي صلاح الدين، ومناطق من قضاء “الحويجة” جنوب غربي كركوك.[2]

ولم تفت سوى عدة أيام حتى أنتشر الخوف وبدئت الهواجس تعتري ألأف العوائل التي تقيم في هذه المنطقة، فهم يعلمون جيداً إن السد الذي يهدد أرضهم ومكان عيشهم الطبيعي، كان قد أوقف العمل به منذ سنوات. ونشرت صحيفة “شفق نيوز” الاكترونية تحقيقا بعنوان ”سد مكحول.. يمحو 3 وحدات إدارية في محافظتين ويهدد عشرات الآف الأسر“[3]

وفي أواخر سنة 2020، أفاد وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، بأن ”حاجة العراق الحالية من ناحية السدود هو إنشاء سد مكحول في محافظة صلاح الدين“[4] ولم يفسر لنا السيد الوزير من أين جاء بهذا الاستنتاج، وهو خير من يعلم بان بناء هذا السد،  ليس من مُتبنيات الدراسة الاستراتيجية (SWLRI).

وفي مطلع العام ٢٠٢١، كتب السيد حسن الجنابي، وهو وزير موارد مائية سابق، بأنه يعارض عودة العمل على سد مكحول ،لأنه مشروع لا فائدة منه وان العراق ليس بحاجة لسدود جديدة.[5]

ونشرت صحيفة ”الانديبندنت“ بنسختها العربية، نقلا عن السيد عون ذياب، مستشار في وزارة الموارد، بأن وزارة التخطيط أعطت الضوء الأخضر لاستئناف العمل بسد مكحول، وخصصت مبالغ ضمن موازنة 2021 التي أقرها البرلمان في الأول من أبريل (نيسان) من العام نفسه. ويشير السيد ذياب إلى أنه “كان هناك جدل منذ سنوات طويلة يتعلق بسلامة الأسس، إلا أنه ستكون لنا إجراءات لمعالجة التربة الجبسية التي قد تكون تحت الأسس وقبل بناء السد، حتى لا يتكرر ما جرى في سد الموصل“.[6] وبعد أقل من أسبوع اصدر السيد خالد بتال نجم وزير التخطيط العراقي كتاب شكر وتقدير لعدد من أساتذة الجامعة، أعضاء في المكتب الاستشاري الهندسي لجامعة الأنبار، ”لجهودهم المميزة في إعداد دراسة الاثر البيئي، وكذلك تحديث الدراستين الهيدرولوجية والجدوى الاقتصادية لمشروع سد مكحول“[7]

وليس من الواضح هنا متى تم إعداد الدراسات هذه وما هي النتائج، كل ما يتم التلميح له بان إنشاء السد سيمضي قدماً.

وفي يوم ١٤نيسان من عام ٢٠٢١ وضع السيد وزير الموارد المائية، حجر الأساس لمشروع السد، وكان معه السيد محافظ صلاح الدين ومحافظ كركوك، وكوادر من الخط المتقدم للوزارة.[8] وعلق السيد الوزير يومها انه اكبر مشروع ينفذ بكوادر عراقية ١٠٠٪، تصميما وإشرافا وتنفيذ.[9]

وتجادل وزارة الموارد العراقية بان سد مكحول الذي سيكلف خزينة الدولة ثلاثة مليارات دولار، سيضيف سعةً خزنيةً بحدود 3 مليارات مترٍ مكعبٍ إلى المنظومة الخزنية في العراق، وبأنه من المشاريع الاستثمارية المهمة الذي  سيولد طاقة كهربائية و يضيف للشبكة الوطنية، ويحمي بغداد وكذلك سامراء من خطر الفيضان.  هذا بالإضافة إلى فوائد اقتصادية وتنموية، وهو ما اكده المتحدث باسم الوزارة السيد علي راضي في اكثر من تصريح[10].

الآن، دعونا نقارن ما تجادل به الوزارة مع ما ورد من نصوص صريحة في استراتيجية (SWLRI).

تنص وثيقة الاستراتيجية على التالي: ”لا حاجة لبناء سدود كبيرة جديدة“. وتضمنت وثيقة ”تخطيط الموارد“ التي اشرنا لها في القسم الأول والتي عرضتها الوزارة خلال مؤتمر بغداد الدولي الأول للمياه، ملخص ورد فيه التالي:- ”إذا تم تنفيذ الإستراتيجية ، فلن تكون هناك حاجة لسدود كبيرة جديدة لمساعدة العراق في تحقيق أهداف إستراتيجية 2035.[11]

أما حول حجة توليد الطاقة الكهربائية فتنص نفس الوثيقة على التالي:- ”يجب ألا تلعب الطاقة الكهرومائية دورًا رئيسيًا في توليد الطاقة في العراق“[12]. والإشارة هنا إلى استنتاج يتوافق مع مسالتين مهمتين، الأولي تناقص واردات المياه التي تصل للعراق اليوم وفي المستقبل، والثانية، حقيقة آن مشاريع توليد الطاقة من المياه التي يمتلكها العراق حاليا تواجه صعوبة حقيقية في  الوصول إلى الطاقات التصميمية، فكيف يتم بناء محطات جديدة!

وحتى حجة الفيضانات تم تفنيدها بشكل لا يقبل الشك في نفس الوثيقة، حيث تنص ”ويمكن تحقيق السيطرة على الفيضانات من خلال إعادة تأهيل سد الموصل وتوسيع قناطر سامراء وقناة الثرثار. لذلك لن يحتاج العراق إلى أي سدود كبيرة جديدة ، مثل تلك المقترحة في “بخمة” أو “منداوة” أو الفتحة“ وتعود لتؤكد ” في الواقع ، ستخسر هذه السدود غير الملائمة في نهاية المطاف المزيد من المياه للعراق أكثر مما تكسبه ، من خلال تبخر المياه.“[13]

وتسترسل الوثيقة موضحة :”يجب استخدام المنخفضات الطبيعية فقط للتحكم في الفيضانات. تُستخدم بحيرتا الثرثار و الحبانية، تقليديًا كمخازن مؤقتة لتخزين المياه خارج التيار لإدارة التدفقات على النهرين الكبيرين. في المستقبل ، بسبب انخفاض الموارد المائية المتاحة ، لن يكون هناك مياه لتخزينها في هذه المنخفضات الطبيعية الكبيرة باستثناء أثناء الفيضانات.“[14]

ولفترة من الزمن تم الربط والإشارة بين سد الموصل وسد مكحول، حيث يبرر سد مكحول على انه بديل في حال انهار سد الموصل صاحب المشكلة المستدامة في الأسس. وحتى هذه الحجة لم تنفع، وقد تم الإشارة لها بوضوح في وثيقة التحليل، تقول الوثيقة المعدة من خبراء دوليين التالي: ”إذا لم يكن من الممكن إعادة تأهيل سد الموصل بالكامل ليعمل بالمستوى التصميمي البالغ  330 m a.s.l، فإن الخيار الأفضل التالي هو بناء سد بادوش. مثل هذا الخيار مفضل على الخيارات الأخرى ، مثل سدود الفتحة أو مكحول ، والتي تقع في مواقع غير مرغوب فيها.“[15] ومع كل ذلك الرفض والممانعة ، درج صانع القرار، وبخفة ومهارة، على ربط استراتيجية (SWLRI) وبناء سد مكحول في مقابلة واحدة! [16]

وبينما كان الجهد لدى الوزارة منصب على الترويج للمشروع، تنامى بنفس الوقت القلق الدولي والمحلي من إكمال السد. في التاسع من كانون الثاني ٢٠٢١ اطلق مجموعة من الباحثين الدوليين مبادرة بحثية لتوثيق وحماية ”آشور“ ، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، كونه موقع مهدد بخطر الغرق هو وأكثر من مائة موقع ذات أهمية ثقافية كبيرة، إذا ما أصرت الحكومة العراقية على إكمال سد مكحول[17].  وفي شهر أيار من العام نفسه، أصدرت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو قراراً يأسف بشدة لاقتراح العراق بناء سد مكحول مرة أخرى، ويطلب من الدولة نقل أو إلغاء المشروع في ضوء تأثيره المحتمل على القيمة العالمية الاستثنائية لموقع اشور المدرج على لائحة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر.[18] ويقدر السيد خليل خلف  الجبوري ، رئيس قسم الآثار في جامعة تكريت ، بأن أكثر من 200 موقع أثري بالقرب من  الشرقاط معرضة لخطر الفيضانات. المواقع الآشورية ، التي شيدت بشكل أساسي من الطين ، ستضيع إلى الأبد. كما أشار إلى ما أسماه “كارثة اجتماعية” حيث يواجه عشرات الآلاف من الأشخاص النزوح.  ويؤكد الجبوري: “الحكومة لا تستمع، لا للأكاديميين أو الجيولوجيين… إنه أمر خطير للغاية وخطير للغاية “.[19]

وأرسلت حملة إنقاذ نهر دجلة الدولية، رسالة عن هذا السد إلى لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، تشير به إلى قلقها من كون سد مكحول يهدد مواقع تراث عالمي مثل قلعة اشور و أهوار جنوب العراق المهددة بالزوال[20]. ورحب بهذه الرسالة السيد ”مجتيلد روسيلر“ المدير العام لليونسكو، واكد ان اليونسكو متفقة تماما حول خطر سد مكحول وهي تحاول الحوار مع الحكومة العراقية منذ كانون الثاني من عام ٢٠٢١. [21]

ولمن يتصور ان السد تم اختياره بعد التحام نهر الزاب الصغير (ويسمى أيضا الزاب الأدنى، وهو ثالث روافد نهر دجلة)، وذلك ليتم  الاستفادة من مساهمة مياه هذا النهر في دجلة، نقول له إن الأمر ليس بهذا الشكل. حسب المختصين، فأن يران التي يأتي منها الزاب الصغير تشيد عليه السدود و القنوات التي ستجعل واردات المياه شحيحة. ولدى العراق سد قديم هو سد دوكان هو المخصص للاستفادة من مياه نهر الزاب الصغير ضمن محافظة السليمانية.  وحسب الوزير الحمداني، فان أيران قللت إيرادات روافد سد دوكان إلى سبعين بالمائة[22]. وعاد الحمداني للإشارة إلى إن أيران تحاول تغيير مجرى الزاب الصغير في مقابلة في شهر تشرين الثاني من عام ٢٠٢١[23]. وكيف لصانع القرار العراقي ان يعول على نهر يحتضر، أليس الأولى من بناء سد جديد، الاعتناء بموارد سد دوكان وحماية نهر الزاب الصغير المتوقع زواله قريبا![24]

وخير ما نختم به هذا القسم، الإشارة إلى حقيقة ان الاستراتيجية (SWLRI)، حددت اهم الأعمال الهندسية العاجلة والتي يحتاج لها  العراق، بطبيعة الحال، هذه الأعمال لا تتعلق ببناء سدود كبيرة جديدة ولكن تدخلات مهمة؛ نقتبس منها التالي:

“يجب إعادة تأهيل الهياكل الرئيسية للتحكم في المياه. تأهيل سد الموصل ، توسعة قناطر سامراء وقناة التصريف ، وتأهيل قناة الارويحة وقناة البدعة (ترعة المياه العذبة) ، الحفاظ على تصميم خط نقل نهر دجلة”[25] وهذه هي أكثر مشاريع الهندسة المدنية أهمية وإلحاحًا.

يتبع

لقراءة الجزء الثالث, انقر هنا.

ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ

الهوامش :


[1] المجلس الوزاري للطاقة- قرار رقم ١٣ لسنة ٢٠٢٠ ، ممضي بتوقيع السيد احسان عبد الجبار وزير النفط، في ٩-٧-٢٠٢٠

[2] موضوع نشرته الصحيفة الالكترونية ”شفق نيوز“ في ١٩-٨-٢٠٢٠ تحت عنوان ”لانقاذ ثلثي البلد من الجفاف.. العراق يشيّد سداً عملاقاً على دجلة“ https://shafaq.com/ar/مجتـمع/لانقاذ-ثلثي-البلد-من-الجفاف-العراق-يشي-د-سدا-عملاقا-على-دجلة

[3]سد مكحول.. يمحو 3 وحدات ادارية في محافظتين ويهدد عشرات الآف الأسر، شفق نيوز ٢٢-٨-٢٠٢٠ ، https://shafaq.com/ar/مجتـمع/سد-مكحول-يمحو-3-وحدات-ادارية-في-محافظتين-ويهدد-عشرات-ال-ف-ال-سر

[4] موضوع منشور على موقع رووداو، بتاريخ ٥ – ١ -٢٠٢١ ، https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/050120215

[5] صفحة السيد الجنابي على موقع التواصل الاجتماعي ”الفيسبووك“ https://www.facebook.com/100000278514800/posts/4347578191928088/?d=n

[6] صحيفة ”الانديبندنت“ ٦- نيسان -٢٠٢١ ، https://www.independentarabia.com/node/209896/الأخبار/العالم-العربي/العراق-يستأنف-العمل-لتدشين-سد-مكحول

[7] كتاب وزارة التخطيط -مكتب الوزير – العدد و.س|١|٢|٢٨٣ في ١٢-٤-٢٠٢١

[8] الخبر منشور في موقع وزارة الموارد العراقية ، الرابط التالي : https://mowr.gov.iq/2021/04/14/وزير-الموارد-المائية-يضع-حجر-الاساس-لم/

[9] المصدر اعلاه – هامش ١٨

[10] وكالة الانباء العراقية عن وزارة الموارد المائية العراقية ١٢ ايار ٢٠٢١  ،https://www.ina.iq/125695–.html

[11]  ترجمة حرفية من اللغة ألإنكليزية لما ورد في الوثيقة المشار لها سابقاً: (Iraq: Water Resources Planning and Investments Analysis )، الصفحة ٨

[12] المصدر اعلاه في الهامش رقم ٨

[13] المصدر اعلاه في الهامش رقم ٨

[14] المصدر اعلاه في الهامش رقم ٨

[15] المصدر اعلاه في الهامش رقم ٨

[16] هناك اكثر من مثال وهذا احدهم، مقابلة لقناة رووداو : ٢٤-٤-٢٠٢١  https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/240420216

[17] الموقع الخاص للمبادرة : Saveashur 

https://saveashur.org/f/iraqi-and-international-experts-meeting

[18] Decision 44 COM 7A.6, Ashur (Qal’at Sherqat) (Iraq) (C 1130) : https://whc.unesco.org/en/decisions/7642

[19] Emily Garthwaite and Leon McCarron : https://www.smithsonianmag.com/history/iraqi-site-assur-ancient-history-stands-risk-disappearing-180979241/

[20] نص الرسالة باللغة الانكليزية، موقع انقاذ نهر دجلة ١٩ -ايار -٢٠٢١ : https://www.savethetigris.org/letter-from-save-the-tigris-to-the-unesco-world-heritage-centre-on-ashur-the-ahwar-and-makhoul-dam-civil-society-concerns-and-requests/

[21] Mechtild Rössler Director

[22] موقع الناس نيوز، عنوان الموضوع ”اجتماع عاجل بعد انخفاض إيرادات نهري دجلة والفرات في العراق“ نشر في ١١-٥-٢٠٢١

https://www.nasnews.com/view.php?cat=60131

[23] موقع الناس نيوز، عنوان الموضوع سدود ايران وقلة الامطار: https://www.nasnews.com/view.php?cat=72666 

[24] أشار المسؤول عن دائرة مياه قلعة دزة، السيد محمد حسين، إلى أنه “في غضون 2030 لن يبقى شيء يدعى الزاب الصغير،

https://www.rudawarabia.net/arabic/kurdistan/050720216

[25]  ترجمة حرفية من اللغة ألإنكليزية لما ورد في الوثيقة المشار لها سابقاً: (Iraq: Water Resources Planning and Investments Analysis )، الصفحة ٧