مقتدى الصدر يقلب الطاولة السياسية في العراق!
بغداد – نقاش
أنهى الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر مسيرته السياسية التي استمرت عشرسنوات خلال خطاب تلفزيوني لم يتجاوز (11 دقيقة) وصف خلاله رئيس الحكومة نوري المالكي بالدكتاتور، والبرلمان بالعاجز، والقضاء بالمسيّس، فمن سيرث تركة الصدر السياسية والأمنية؟.
بينما كان الجميع يترقب المنازلة الكبيرة على منصب رئيس الحكومة في الانتخابات النيابية المقرر إجرائها في نيسان “ابريل” المقبل والذي يعتبر التيار الصدري ابرز أركانها، فاجأ زعيمه الجميع بإعلان اعتزاله السياسة، وإلغاء كافة مكاتبه الخاصة به في عموم العراق.
وأعلن الصدر وهو ابن مرجع شيعي كبير يحترمه فقراء الشيعة، الأحد الماضي انسحابه من العمل السياسي، وقال في بيان “أعلن عدم تدخلي بالأمور السياسية ولا كتلة تمثلني بعد الآن، لا في أي منصب داخل الحكومة وخارجها ولا في البرلمان”.
الصدمة التي ولدها هذا القرار والتحليلات المتضاربة بشان أسبابه، دفعت الصدر الى إلقاء كلمة تلفزيونية الثلاثاء الماضي أكد فيها عدم التراجع عن قراره باعتزال السياسة.
خلال هذه الكلمة أكد الصدر على ضرورة المشاركة في الانتخابات من أجل التغيير، وبهذا طوي الصدر مسيرة سياسية وعسكرية حافلة بالأحداث امتدت عشر سنوات.
يقول بعض المراقبين للشأن المحلي العراقي إن قرار الصدر جاء بسبب خيبة أمله من الأوضاع السياسية، وفقدان ثقته بمن يحيط به حتى السياسيين التابعين له، خصوصاً بعدما علم بأن عدد من أعضاء كتلته النيابية “الأحرار” صوتوا لصالح منح امتيازات مالية للنواب، وهو ما كان يعارضه الصدر بشدة.
ولكن هذه الأسباب لا تستدعي اتخاذ قرار بهذا الحجم، فالصدر له نفوذ كبير على أتباعه وهم بالمقابل يطيعون أوامره ويحترمونه، ويستطيع طرد أي نائب أو مسؤول في تياره متى شاء دون الحاجة لاتخاذ قرار اعتزال السياسة.
وبرز اسم مقتدى الصدر في العام 2003 بعدما شكل ميليشيا مسلحة باسم “جيش المهدي” انخرط فيها آلاف من السكان الشيعة بهدف محاربة القوات الأميركية، ومن ثم تورطت هذه الميليشيا بالمسؤولية عن أعمال القتل الطائفي التي طاولت السكان السنة أبان الحرب المذهبية في عامي 2006 و2007.
فيما بعد تمكن الصدر من تجميد العمل العسكري رغم خسارته آلاف من محبيه وانضموا إلى جماعات شيعية أخرى مثل “عصائب أهل الحق” التي من المتوقع أن ينضم المزيد من أنصار ه إليها.
لكن الانجاز الأكبر الذي حققه الصدر يتمثل باستعادة الثقة مع العرب السنة، بعد أن وقف إلى جانب سياسييهم وشكواهم من التهميش من حكومة المالكي، كما وقف إلى جانب التظاهرات السنية التي جرت في البلاد طيلة عام مضى.
يقول الكاتب والصحافي سرمد الطائي في مقال نشرته صحيفة “المدى” المحلية العراقية إن “أي تراجع في الوضع السياسي للكتلة الصدرية، سيكون خسارة للجبهة الوطنية العريضة المنادية بإصلاح المسار السياسي للبلاد”.
السؤال الأبرز اليوم بعد اعتزال الصدر السياسة هو ماذا سيكون مصير الطاقم السياسي التابع له؟ والذي يضم ستة وزراء من أصل 26 وزارة في الحكومة، و40 نائباً في البرلمان من أصل 325، و58 عضواً في مجالس المحافظات المحلية من أصل 447، والمئآت من وكلاء الوزارات والمدراء العامين ورؤساء الدوائر الخدمية والأمنية.
بعد ساعات من قرار الصدر أعلن العشرات من نوابه وأعضاء مجالس المحافظات الاستقالة من البرلمان تضامناً مع زعيمهم، وفي حال كانت قراراتهم أكيدة فإن ذلك سيخلق فراغاً سياسياً كبيراً.
بعض المراقبين يقولون إن خصوم الصدر وتحديداً رئيس الحكومة نوري المالكي وهو المستفيد الأكبر من قرار الصدر، سيعمل على استقطاب بعض الوزراء والنواب التابعين إلى الصدر إلى جانبه.
ولكن مصدر مقرّب من التيار الصدري طلب عدم الإشارة إلى اسمه، قال لـ “نقاش” إنها “ليست النهاية، زعيمنا خاب أمله من السياسة، وإتباعه من السياسيين سيواصلون عملهم دون تقصير حتى بدون قيادته.
لكن هناك صعوبة في إيجاد زعيم سياسي للتيار الصدري قادر على لعب دور مقتدى الصدر، خصوصا وإن التيار الصدري ليس حزباً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، بل قوة سياسية تعمل دون تقاليد حزبية معروفة.
إضافة الى ذلك فإن مصير الملايين من السكان الشيعة المؤيدين للصدر سيبقى مجهولاً، لكن الخوف الأكبر يبرز من مصير ميليشيا “جيش المهدي” و “لواء اليوم الموعود” وهي الأجنحة العسكرية للتيار الصدري.
وعلى الرغم من إن الصدر نجح بتجميد ميليشياته، لكن حتى سلطته الدينية والاجتماعية الكبيرة على أتباعه لم تمنع خروج بعض أفراد هذه الميليشيا عن طاعة الصدر، وقاموا بعمليات قتل واشتباكات مسلحة مع جماعات أخرى، فماذا سيفعل هؤلاء بعد اعتزال زعيمهم؟.
أفراد هذه الميليشيا هم أيضاً خائفون من قرار زعيمهم، حيث قال أبو عباس الساعدي وهو أحد قادة “لواء اليوم الموعود” في جنوب العراق لـ “نقاش” نحن “نخشى من أن يقوم رئيس الوزراء المالكي باعتقالنا، لقد قام المالكي باعتقال العديد من عناصرنا في السنوات الماضية”.
ويضيف “كان زعيمنا الصدر حفظه الله يحذر الحكومة من اعتقالنا، ولكن بعد اعتزاله السياسة، لن يدافع أحد عنّا”.
حتى السنة في العراق سيكونون على ما يبدو من المتضررين من اعتزال الصدر العمل السياسي، فالصدر كان من أبرز المناصرين لهم خلال الشهور الماضية.
وقبل قرار الصدر بأيام كان السنة يأملون بسيناريو لإبعاد المالكي من الحكم من خلال التحالف مع الصدر بعد الانتخابات باعتباره الطرف الشيعي القادر على رفض المالكي لولاية ثالثة، بنفس سيناريو تشكيل مجلس محافظة بغداد، لكن آمالهم خابت اليوم بعد قرار الاعتزال.
تقول النائب وحدة ألجميلي عن كتلة “متحدون” السنية لـ “نقاش” إننا “سنفقد حليفاً كبيراً وداعماً لنا في العملية السياسية بسبب قرار السيد الصدر، وسيستفيد المالكي للأسف من هذا القرار، نتمنى إن يعدِل من قراره ويعود إلى العمل السياسي”.
حتى رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي حارب ميليشيا “جيش المهدي” عندما كان رئيساً للوزراء عام 2004، أعرب عن صدمته من قرار الصدر.
وقال في بيان صدر عنه عقب القرار إن “العراق يمر بأزمات متشابكة، وهو ما يضاعف مسئولية القوى الوطنية والإسلامية في التصدي لهذا الانحدار، لقد صدمنا بقرار الصدر اعتزال العمل السياسي”.
على صعيد المنافسة الانتخابية، أعطى قرار الصدر باعتزاله السياسة والتخلي عن كتلته السياسية، هدية على طبق من ذهب لخصومه قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، وابرز هؤلاء الخصوم هو “ائتلاف دولة القانون” الذي يتزعمه المالكي.
فالصدر هو الشخصية الشيعية الوحيدة التي تمتلك ثقلاً سياسياً كبيراً وينتقد المالكي صراحة دون خوف، وكان الصدر أحد أبرز السياسيين الذين حاولوا الإطاحة بالمالكي منتصف عام 2012 عبر سحب الثقة منه في البرلمان، وفشلوا في ذلك.
“المجلس الأعلى الإسلامي” الذي يتزعمه يترأسه الزعيم الشاب عمار الحكيم سيستفيد هو الآخر من مقاطعة الصدر للحياة السياسية، ولكن بشكل أقل من “دولة القانون”، لأن الحكيم والصدر أصدقاء مقربين وسبق وأن تحالفوا معاً ضد المالكي للفوز بمنصب محافظ البصرة العام الجاري.
واليوم بعد قرار اعتزال الصدر سيكون على القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية إعادة حساباتها السياسية والانتخابية، وعلى ما يبدو فإنها مهمة ليست سهلة في ظل الغموض الذي يحيط بالانتخابات ونتائجها، كما إن الجميع سيسعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى استقطاب السياسيين والمناصرين للتيار الصدري إلى جانبه.
انسحاب الصدر من الحياة السياسية في ظل واقع سياسي تعصف به الأزمات من كل جانب، وعودة الشد الطائفي بين السنة والشيعة، يعتبر أمر خطيراً، خصوصاً وإن الحياة السياسية في البلاد ستتعرض لخلل كبير في الموازين بعد اعتزال الصدر.