هكذا تشارك إيران في اختيار رئيس للحكومة العراقيّة!
علي معموري – المونيتور
حصل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على دعم مباشر ومستمرّ من إيران طوال سنوات حكمه الثماني، وقد حافظ على أعلى مستوى من العلاقة الطيّبة مع إيران طوال هذه المدة. فلم يوجّه أي انتقاد إلى النظام الإيراني في سياق الانتقادات العنيفة التي وجّهها إلى الدول المرتبطة بالوضع العراقي، ولم يُبدِ أي ممانعة تجاه أي من الطلبات الإيرانيّة في الملفات العراقيّة الداخليّة وكذلك الملفات الخارجيّة المرتبطة بالمصالح الإيرانية في سوريا وغيرها.
وفي انتخابات العام 2010، أصرّت إيران على دعمه وألزمت حلفاءها من الأحزاب الشيعيّة الأخرى بالائتلاف مع المالكي لضمان توليه ولاية ثانية، على الرغم من اعتراض تلك القوى وأيضاً اعتراض الجهات السياسيّة الأخرى من خارج البيت الشيعي. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 30 نيسان/أبريل المنصرم، أبدت إيران ميلها إلى إبقاء المالكي في رئاسة الوزراء لولاية ثالثة. وقد جرت مفاوضات كثيرة وبذلت وجهود كبيرة في هذا الصدد.
وقد علم “المونيتور” من مصدر مقرّب من السفارة الإيرانيّة في بغداد، بأن قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني حضر إلى بغداد في أواخر شهر آذار/مارس الماضي للتنسيق بخصوص دعم المالكي لولاية ثالثة. وطلب سليماني لقاء السيّد علي السيستاني لهذا الغرض، لكنه قوبل بالرفض وأُبلِغ أن المرجعيّة ترفض هذا المشروع بالكامل. كذلك حاول سليماني أن يجمع قادة الكتل والأحزاب الشيعيّة الكبرى على أمل إحياء التحالف الوطني المتشتّت منذ زمن بسبب الخلافات بين ائتلاف دولة القانون من جهة وبين معارضيه من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وجماعة مقتدى الصدر من جهة أخرى.
وأفاد أحد الأعضاء الذين حضروا لقاءات سليماني “المونيتور”، بأنها انتهت بمشاجرات لفظيّة بين الأطراف، واتُّهم المالكي في خلالها بأنه يتّجه نحو الدكتاتوريّة بسبب تفرّده في اتخاذ القرارات. وقد تبعت تلك الجلسات اجتماعات لوفود عراقيّة من الأحزاب الشيعيّة عقدت في إيران بدعوة من الأخيرة. لكنها لم تصل إلى أي نتيجة بخصوص دعم المالكي لولاية ثالثة.
وقبل أيام قليلة من الانتخابات الأخيرة، غيّرت إيران لهجتها إذ أظهرت مرونة بخصوص رئيس الوزراء العراقي المقبل. ونشر موقع “تابناك” الإيراني المقرّب من بعض الجهات النافذة في الحرس الثوري بالتعاون مع مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، تقريراً عن وضع الانتخابات في العراق بتاريخ 23 نيسان/أبريل الماضي. والتقرير الذي أتى تحت عنوان “لا أحد يريد المالكي في العراق”، بيّن حجم الاعتراض على تولّيه رئاسة الحكومة لولاية ثالثة، من قبل المرجعيّة في النجف والمعارضة الشيعيّة بشقَّيها برئاسة عمار الحكيم ومقتدى الصدر وكذلك الأكراد والقوى العلمانيّة وعدد كبير من السنّة.
وقد صرّح السفير الإيراني في العراق حسن دانائي فر عشيّة الانتخابات أن إيران تؤيّد مطلب التغيير الذي طالبت به المرجعيّة. وعلّق على ردود الفعل العنيفة ضد مواقف الشيخ بشير النجفي أحد مراجع النجف، قائلاً إن إيران ترفض المساس بالمرجعيّة بكل الأشكال. والنجفي كان قد انتقد أداء المالكي بشدّة قبيل الانتخابات وطالب بعدم التصويت لصالحه، ما أنتج انتقادات عنيفة له من قبل المقرّبين من المالكي.
إلى ذلك، أجرت مواقع إخباريّة إيرانيّة مقابلات مع رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، للمرّة الأولى. ومقابلات مماثلة لا يمكن إجراؤها عادة ونشرها من دون موافقة أمنيّة عليها. وقد أقرّ علاوي بدور إيران المباشر والمؤثّر في القرارات العراقيّة، وطالب الإيرانيّين أن يلتفتوا إلى مصالح العراقيّين إلى جانب حرصهم على مصالحهم القوميّة. كذلك عبّر عن عتبه على الإيرانيّين لأنهم لا يرغبون فيه، على الرغم من أنه لا يعاديهم وهو مستعد للتعاون معهم بشأن العراق.
وعلى الرغم من ذلك، تشير أنباء إلى رغبة إيران في إبقاء المالكي في موقعه، وذلك وفقاً لمنطق “الصديق الذي جرّبته أفضل من الذي لم تجرّبه بعد”. لكن إيران لا تهتم بالطبع بشخص المالكي، بل هي معنيّة بمصالحها في العراق وأيضاً بالخط الآمن لدعم الجبهة السوريّة. وهذا يعني أنها لن تمانع وصول بديل للمالكي موثوق به إلى سدّة رئاسة الوزراء في حال إصرار حلفائها الآخرين على ذلك. وثمة أكثر من شخص يطرح ممن يلقون قبولاً إيرانياً من بين أسماء القائمتَين الرئيستَين في التحالف الشيعي: دولة القانون والموطن.
من جهة أخرى، ظهرت رغبة في إحياء التحالف الشيعي من جديد مباشرة بعد الانتهاء من الانتخابات. وذلك، بعدما تبيّن عدم نجاح خطة حكومة الأغلبيّة السياسيّة التي كان ينادي بها المالكي وأيضاً عدم حصول منافسيه على الأصوات التي تمكّنهم من حذف دولة القانون من المعادلة المقبلة. وعليه، لا مناص من التوصّل إلى اتفاق في داخل البيت الشيعي قبل الانطلاق في تحالفات خارجيّة مع الأكراد والسنّة. فتوفير الأغلبيّة الكافية لتمرير الحكومة المقبلة صعب جداً في حال تمّ استثناء أي من مؤيدي المالكي أو منافسيه.
ويأتي ذلك إلى جانب إصرار المرجعيّة الشيعيّة والطرف الإيراني على الحفاظ على وحدة الجبهة الشيعيّة لضمان المصالح السياسيّة للمكوّن الأكبر في العراق. وفي الوقت نفسه، بدأت الأطراف المعنيّة بطرح أسماء لرئاسة الوزراء خلفاً للمالكي بشكل غير رسمي وفي داخل الأروقة السياسيّة الخاصة لمعرفة ردود فعل الجهات الأخرى.
وفي هكذا أجواء متناقضة، يبدو أن الخيار الأوفر حظاً هو الاتفاق على مرشّح تسوية تتوافق عليه الأطراف الأصيلة في البيت الشيعي ويجيب بالطبع على المعايير الإيرانيّة ولا يواجه برفض كردي قاطع. أما في ما يتعلّق بالجانب السنّي ونتيجة التنوّع والتشتّت الكبيرَين فيه، فمن السهل الحصول على حليف سنّي بعد الاتفاق ما بين الشيعة والأكراد وإيران.