قوات الأمن سلّمت الموصل لداعش والأهالي يخشون البراميل المتفجرة
خمسة أيام فقط، كانت كافية لسيطرة الآلاف من عناصر داعش على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وثاني أكبر مدن العراق ( 395 كم شمال بغداد)،
بعد هروب جماعي لعناصر قوات الجيش والشرطتين الاتحادية والمحلية وقوات سوات.
القوات التي كانت تفرض سياسة مسك الأرض على المدينة طوال السنوات الست الماضية انسحبت من المكان رافقها نزوح كثيف للأهالي صوب مدن اٌقليم كردستان المحمية من قوات البيشمركة عده مراقبون الأكبر في تاريخ نينوى.
بدأت الأحداث بشكل متسارع يوم الجمعة السادس من حزيران (يونيو) الجاري عندما نجحت قوة من التنظيم المسلح في اختراق حواجز الشرطة الاتحادية في منطقة مشيرفة غربي مدينة الموصل، بعد تنفيذها سلسلة تفجيرات انتحارية، وبعد ساعات قليلة فقط استغل عناصر داعش انكفاء قوات الأمن وترك نقاط التفتيش والمراقبة نحو مقراتها، فسيطروا على أحياء 17 تموز والنجار واليرموك والآبار وحي التنك.
وظهر إن قيادة عمليات نينوى المرتبطة مباشرة برئيس الحكومة المالكي بلا حلول على الأرض، فعمدت إلى قصف تلك الأحياء السكنية بالمروحيات وقنابر الهاون وسقط العشرات من المدنيين المحتجزين داخل منازلهم بعد إنهيال القذائف عليهم واستهدفت النيران سيارات الإسعاف التي هرعت لإنقاذ الجرحى.
وفي هذه الأثناء أخذت الأحاديث في الموصل تدور عن إمدادات كبيرة جداً لداعش وصلت من منطقة الجزيرة غرب نينوى على الحدود مع سوريا، ونشر ناشطون على صفحات الفيس بوك، صوراً للمئآت من سيارات الدفع الرباعي الحديثة، مكتظة بمسلحين متوشحين بالسواد، ويحملون اسلحة متوسطة وخفيفة، مع رايات تنظيم القاعدة السوداء.
معظم أحياء مناطق الموصل الغربية كانت تشهد نزوحاً جماعياً للعائلات هرباً من القصف، وأعلنت قيادة العمليات إعادة فرض سيطرتها على تلك المناطق، غير إن أحداث اليوم التالي أثبتت خلاف ذلك، وأفصحت عن خطورة الموقف، إذ حمل محافظ نينوى أثيل النجيفي بنفسه بندقية كلاشنكوف، واخذ يتجول مع مرافقين مدنيين مدججين بالسلاح، في مناطق الجانب الأيمن من مدينة الموصل حيث تدهور الوضع الأمني، والقي بعدها كلمة دعا فيها أهالي المدينة للدفاع عن أنفسهم بحمل السلاح وتشكيل لجان شعبية في المناطق السكنية، كما دعا ضباط الجيش العراقي السابق قبل 2003، إلى تولي قيادة هذه اللجان.
يقول الناشط السياسي جميل عبد الرحمن في حديث لنقاش إن تلك الخطوة كانت مؤشراً واضحاً على خيبة أمل المحافظ بقوات الأمن المكلفة بحماية المدينة فأراد رفع المعنويات الشعبية لتجنب خسارة المدينة.
ويضيف “الموصل تسيطر عليها تشكيلات أمنية متعددة تتبع قيادة عمليات ننيوى التي تم تشكيلها في أيار (مايو) عام 2008 وكانت تلك القوات تفرض سيطرتها على كل شارع وزقاق، من خلال نقاط تفتيش ثابتة حتى يوم الجمعة الماضي، كما أنها حولت المدينة إلى معسكر كبير طوال السنوات الست الماضية لكن داعش تمكنت من السيطرة على كل شيئ في غضون ساعات”.
يوم الاثنين الموافق التاسع من حزيران (يونيو) كان يوماً مؤلماً حيث حمل أخباراً غير سارة لأهالي الموصل إذ شاهدوا الآلاف من عناصر الجيش والشرطة في جانب المدينة الأيمن وهم يلقون بأسلحتهم وثيابهم الرسمية وينخرطون في زحام أكبر نزوح للأهالي شهدته الموصل على مر تاريخها.
مقدم الشرطة عامر أحمد قال لـ”نقاش” بأن رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة أمر في ذلك اليوم بإبدال قائد شرطة نينوى، وقائد الفرقة الثانية للجيش بعد إخفاقهما في حماية المدينة وإن اللواء الركن مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى، مع ضباط كبار آخرين، أختفوا عن المشهد تماماً وهو سبب مباشر لفرار عناصر الجيش والشرطة من ساحة المواجهة.
وفي نهاية يوم الأثنين ارتفعت أعمدة الدخان فوق الموصل، وقُتل آمر قوات سوات المقدم ريان بهجوم انتحاري بسيارة مفخخة، وأطلق مسلحو داعش سراح أكثر من 4000 سجين بأحكام ثقيلة ومتوسطة من سجن بادوش غرب الموصل، كما أطلقوا سراح الموقفين في سجن التسفيرات في منطقة الفيصلية وسط المدينة، وكذلك الموقوفين في مقر قيادة العلميات في منطقة الغزلاني شرق المدينة.
وقام مسلحو داعش بحملة تدمير واسعة لمقرات مراكز الشرطة المحلية، ومقرات أفواج الجيش والشرطة الاتحادية، في مختلف مناطق الموصل، وسيطروا على مبنى محافظة نينوى ومقر قناتي سما الموصل الفضائية ونينوى الغد مع إذاعتي شباب نينوى والرشيد ومخازن الأسلحة والعتاد في مقر قيادة عمليات نينوى، وسيطروا على مطار الموصل الدولي بما فيه من طائرات هليكوبتر عسكرية.
تنظيم داعش فرض سيطرته الكاملة على مدينة الموصل بجانبيه الأيسر والأيمن، واستولوا على 500 مليار دينار كانت مودعة في المصرف المركزي في قلب المدينة، مع مبالغ أخرى في المصارف العديدة المنتشرة في المدينة، كما سيطر على قضائي بعاج وتلعفر غرباً على الحدود العراقية السورية، وامتدت سيطرته الى بلدة الشرقاط في محافظة صلاح الدين في اقصى جنوبي نينوى.
محافظ نينوى أثيل النجيفي قال في اتصال هاتفي مع “نقاش” إن الموصل باتت بحاجة إلى تدخل دولي بعدما عجزت حكومة المركز بقواتها الأمنية عن حمايتها، وذكر بان المدينة واسعة جدا وستحتاج إلى أيام لكي يتحصّن فيها المسلحون.
واستبعد ان تتمكن حكومة بغداد من إنقاذ الموصل بسبب سيطرة داعش على الكثير من البلدات بين الموصل وبغداد، وقال”اتصلت بوكيل وزارة الداخلية عدنان الأسدي وأكد إرسال فوجين لدعم القوات الأمنية، لكن الطريق بين الموصل وبغداد ( 395 كم ) باتت في معظمها مسيطر عليها من قبل تنظيم داعش، بعد انهيار قوات الأمن التام فيها، فعادت تلك القوة أدراجها”.
وأكد النجيفي إن القوات الأمنية المنسحبة عن الموصل تعمّدت أو تراخت في سحب أسلحتها معها، ليستحوذ تنظيم داعش على كميات كبيرة منها إضافة إلى الاعتدة، مع دروع ومركبات مصفحة وناقلات أشخاص.
شهود عيان من مدينة الموصل ذكروا بأن مسلحي داعش من مختلف الجنسيات العربية، فضلاً عن عراقيين، وان أعدادهم بالآلاف، وينتشرون بسرعة كبيرة داخل المدينة.
أما النازحين فينتظرون بمركباتهم في طوابير طويلة جداً، امام نقاط التفتيش في مدخلي دهوك (بدرية والشيخان)، وكذلك في مدخل محافظة اربيل وقضاء عقرة وبعضهم عادوا إلى منازلهم، بعدما رفضت مدن إقليم كردستان استقبالهم وهم متخوفون من معالجة قضية الموصل كما حدث في الفلوجة ومدن سورية بواسطة البراميل المتفجرة.
كما ان هنالك تخوّف من نفاذ الوقود والمواد الغذائية، في المدينة التي يقترب عدد سكانها من مليون ونصف المليون مواطن.
المشهد العام في مدينة الموصل، جثث ملقاة في بعض المناطق ولاسيما غربي المدينة، بعد اعلان دائرة الطب العدلي عدم تمكنها من استلام المزيد من الجثث بسبب امتلاء براداتها، ويرجح ان يتم دفنها من قبل الأهالي في الحدائق والجزرات الوسطية العامة كما حدث في أنهيارات أمنية سابقة.
سيارات عسكرية تحترق، او متفحمة على الطرقات، وثياب عناصر الجيش والشرطة الاتحادية ملقاة في الشوارع، تشير وبوضوح تام إلى قصة تسليم المدينة إلى داعش دون مقاومة، أما أعمدة الدخان فتتصاعد فوق مقار الأمن، وعناصر التنظيم المسلح منشغلون ببناء التحصينات، استعداداً لمواجهة قد يطول مداها لأشهر عدة.