أدلة قوية على جريمة حرب مروعة ارتكبتها داعش في تكريت
بحسب هيومن رايتس ووتش.
تحليل صور فوتوغرافية وأخرى ملتقطة بالأقمار الصناعية يشير إلى قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بإعدامات ميدانية جماعية في تكريت بعد الاستيلاء على المدينة يوم 11 يونيو/حزيران 2014. ويُظهر التحليل أن داعش قتلت 160-190 رجلاً في موقعين على الأقل بين 11 و14 يونيو/حزيران، وقد يكون عدد الضحايا أكبر بكثير، لكن صعوبة تحديد أماكن الجثث والوصول إلى المنطقة منع إجراء تحقيق شامل
في 12 يونيو/حزيران زعمت داعش أنها أعدمت 1700 من “أفراد الجيش الشيعة” في تكريت. وبعد يومين نشرت على أحد المواقع الإلكترونية صوراً فوتوغرافية لمجموعات من الرجال الذين تم إعدامهم على ما يبدو. في 22 يونيو/حزيران أعلن وزير حقوق الإنسان في العراق أن داعش أعدمت 175 من مجندي القوات الجوية العراقية في تكريت.
قال بيتر بوكارت، مدير برنامج الطوارئ في هيومن رايتس ووتش: “توفر الصور الفوتوغرافية وصور القمر الصناعي أدلة قوية على جريمة حرب مروعة تتطلب المزيد من التحقيق. ويبدو أن داعش أعدمت 160 رجلاً على الأقل في تكريت”.
في 12 يونيو/حزيران أعلنت داعش في البداية على حسابها المغلق حالياً بموقع تويتر عن “إبادة” 1700 جندي عراقي. وفي اليوم نفسه نشرت الجماعة مقاطع فيديو لمئات الأسرى في ثياب مدنية، زعمت أنهم استسلموا في قاعدة “سبايكر” العسكرية العراقية القريبة. وفي 14 يونيو/حزيران نشرت داعش قرابة الستين صورة فوتوغرافية، يظهر في بعضها مقاتلون ملثمون من داعش يقومون بتحميل أسرى في ثياب مدنية على شاحنات، ويرغمونهم على الرقاد في ثلاثة خنادق ضحلة وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم. وتبين بعض الصور مسلحين ملثمين يشيرون بأسلحتهم إلى الرجال ويطلقون الرصاص عليهم.
وبمقارنة ملامح ومعالم الأرض في الصور المنشورة من قبل داعش، تأكدت هيومن رايتس ووتش من وجود اثنين من الخنادق في موقع واحد. وبمقارنة تلك الصور بصور الأقمار الصناعية الملتقطة في 2013، والصور المتوافرة بالمجال العام والتي سبق التقاطها في تكريت، حددت هيومن رايتس ووتش وجود الموقع في حقل يقع على مسافة 100 متر إلى الشمال من “قصر الماء” في تكريت ـ وهو أحد قصور صدام حسين السابقة المطلة على نهر دجلة. لم يتسن تحديد موقع الخندق الثالث.
قامت هيومن رايتس ووتش أيضاً بمراجعة صور سجلتها الأقمار الصناعية للمنطقة في صباح 16 يونيو/حزيران، ولا تكشف الصور عن أدلة على وجود جثث بموقع الخندقين، لكنها تظهر دلائل على تحركات حديثة لمركبات ميكانيكية، وعلى تقلبات بالتربة السطحية تتفق مع وجود الخندقين الضحلين الظاهرين في صور داعش. دون زيارة الموقع، فمن المستحيل تبين إن كان قد تم دفن الجثث هناك أو تم نقلها.
في 22 يونيو/حزيران قال وزير حقوق الإنسان العراقي محمد شياع السوداني في مؤتمر صحفي إن جثث بعض مجندي القوات الجوية الـ175 المقتولين قد ألقيت في نهر دجلة، وتم دفن بعضها الآخر في مقبرة جماعية. وأكد ناطق باسم الوزير هذا التصريح لـ هيومن رايتس ووتش في 23 يونيو/حزيران.
وقال مسؤول أمني عراقي إن ما يناهز الـ 11 جثة لمجندين تم إعدامهم قد تم انتشالها من نهر دجلة على مسافة من موقع الإعدام.
وتوحي صور الإعدام الميداني التي وزعتها داعش بأن المسلحين قتلوا ما لا يقل عن ثلاث مجموعات من الرجال في هذا الموقع، فتظهر الصور مجموعة من الرجال ترقد بأحد الخنادق ومجموعة أخرى ترقد فوق الأولى، كما تظهر مجموعة ثالثة من الرجال راقدة بالخندق الثاني.
واستناداً إلى إحصاء الجثث الظاهرة في الصور المتاحة، تقدر هيومن رايتس ووتش قيام داعش بقتل 90-110 من الرجال في الخندق الأول، و35-40 في الثاني.
وتوحي المراجعة المبدئية لطول الظلال وزاوية سقوطها في الصور باحتمال إعدام مجموعتي الرجال في الخندق الأول بين 1:30 و2:30 بعد الظهر، واحتمال إعدام الرجال في الخندق الثاني بين 2:30 و3:30 بعد الظهر.
وتظهر صور داعش مجموعة رابعة قوامها نحو 30 إلى 40 أسيراً فوق واحدة من شاحنتي النقل، وبجوارها فيما بعد، على الطريق الرئيسية بين موقع الإعدام وقصر الماء. والأرجح أن تكون الصور قد التقطت في موعد لاحق من اليوم نفسه، بين الرابعة والخامسة مساءً.
وتوحي إحدى الصور التي نشرتها داعش بأن الجماعة قتلت أسرى في موقع ثان في التوقيت نفسه تقريباً، إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من تحديد الموقع. وتظهر الصورة خندقاً كبيراً به 35 إلى 40 أسيراً وهم يتعرضون لنيران ما لا يقل عن 8 من مقاتلي داعش. واستناداً إلى طول الظلال وزاوية سقوطها، يرجح التقاط الصورة بين الحادية عشرة صباحاً والواحدة ظهراً. وكان أحد مسلحي داعش الظاهرين بذلك الموقع قد ظهر أيضاً في الصور المأخوذة من موقع القتل عند الخندقين قرب قصر الماء.
وتوحي الصور الفوتوغرافية وصور الأقمار الصناعية بقوة بأن داعش نقلت أسراها بالشاحنات إلى موقعي القتل، فقد تعرفت هيومن رايتس ووتش على مقاتلي داعش والأسرى أنفسهم في عدة صور، وبينهم أسرى تم تصويرهم في الشاحنات وتكرر تصويرهم عند إنزالهم من نفس الشاحنات بجوار موقع الإعدام عند قصر الماء.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع رجل واحد قال إنه فر من تكريت بعد المذبحة. وقال الرجل إنه كان يتفرج من سطح منزله بحي القادسية ساعة العصر بعد وصول داعش، بينما كان أفراد مسلحون من داعش يقومون بتحميل مئات الأسرى على شاحنات ويقودونهم مبتعدين:
رأيتهم بعينيّ هاتين. كنا ساعة العصر، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً. رأيت نحو 10 مسلحين يصوبون أسلحتهم إلى طابور الرجال، ويقتادونهم إلى شاحنات عسكرية. كان بعض المسلحين ملثمين وبعضهم يكشفون عن وجوههم. لم يكن الرجال [الأسرى] مقيدين، وكانوا في ثياب مدنية.
وقال الرجل إنه لا يعرف إلى أين أخذ الرجال أسراهم، ولم يستطع تذكر اليوم بالتحديد. وقال إن بعض سكان تكريت أخبروه لاحقاً بأنهم شاهدوا جثثاً تطفو في دجلة.
في أثناء نزاع مسلح، فإن قتل أي شخص لا يشارك بدور نشط في الأعمال العدائية، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين نحوا السلاح جانباً والمحتجزين، يعد جريمة حرب. كما يمكن اعتبار القتل جريمة ضد الإنسانية حين يكون ممنهجاً أو واسع النطاق ويرتكب كجزء من سياسة عمدية لجماعة منظمة. وتعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية جرائم دولية، تقع مسؤوليتها الجنائية على من يرتكبها أو يأمر بارتكابها، وكذلك على من يساعد فيها، وتقع المسؤولية أيضاً على القادة الذين علموا بأمر الجريمة وأخفقوا في منعها.
وقد سبق لـ هيومن رايتس ووتش أن وثقت جرائم خطيرة ارتكبتها داعش في مناطق أخرى من العراق وسوريا، تشمل تفجيرات انتحارية وبالسيارات المفخخة في مناطق مدنية، وإعدامات ميدانية بدون محاكمات، وتعذيب أثناء الاحتجاز، والتمييز ضد المرأة، وتدمير ممتلكات دينية. وتوحي الأدلة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش بقوة بأن بعض تلك الأفعال قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.
قال بيتر بوكارت: “ترتكب داعش القتل الجماعي ثم تقوم بالدعاية له أيضاً، وعليها هي وغيرها من القوات المنتهكة أن تعلم أن أعين العراقيين والعالم عليها”