المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

العراق ـ التوجيهات الجديدة تُسكِت وسائل الإعلام!

القرار الطارئ يمارس الضغوط أيضاً على التغطية الانتقادية!

بغداد ـ هيومن رايتس ووتش

NB-103538-635387027026877092

التوجيهات الإعلامية الجديدة في العراق تتسم بالإبهام لدرجة فتح الباب واسعاً للانتهاكات. تؤدي التوجيهات إلى تقييد حرية الصحافة دون مبرر، بما في ذلك عن طريق اشتراط التغطية التي تتبنى رؤية الحكومة. أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات التي تتبع الحكومة خطوطا إرشادية “إلزامية” في 18 يونيو/حزيران 2014، لتنظيم الإعلام “أثناء الحرب على الإرهاب”.

وتطالب التوجيهات المنافذ الإعلامية بتجنب نشر معلومات عن قوات المتمردين، كما تلزمها بتغطية أنباء القوات الحكومية على نحو إيجابي وحسب، فتمنع المادة الأولى وسائل الإعلام من بث أو نشر مواد “تحمل تأويلاً أو تعميماً أو طعناً بحق القوات الأمنية، أو بث معادلات صورية مسيئة لها”، وتصر بدلاً من ذلك على “التركيز على المنجزات الأمنية للقوات المسلحة، وتكرارها خلال ساعات البث اليومي”، مما يشمل “الإشادة بالأعمال البطولية التي يقوم بها منتسبو الأجهزة الأمنية”.

قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “تبدو التوجيهات الجديدة لحكومة العراق وكأنها ترغم وسائل الإعلام على التوقف عن التغطية والتحول إلى ملحق حكومي للعلاقات العامة. إن هذه التوجيهات محاولة واضحة لمنع التغطية الانتقادية للأحداث الهامة وإسكات النقاش، بينما تخوض البلاد غمار هذه الأزمة الأمنية والسياسية الحادة”.

وقد تحدث عاملون بمنافذ إعلامية عراقية مستقلة لـ هيومن رايتس ووتش عن ضغوط تشمل التهديد بسحب الترخيص، من هيئة الإعلام والاتصالات ومسؤولين حكوميين، بسبب تغطياتهم الانتقادية.

أعلن العراق حالة الطوارئ في العاشر من يونيو/حزيران، لكن بموجب القانون الدولي لا يجوز للحكومة، ولو في حالة طوارئ، أن تقيد حرية التعبير إلا بالقدر الضروري لمقتضيات الوضع. وليس لحالة طوارئ، حتى ولو كانت جدية، أن تبرر للسلطات اشتراط التغطية المحابية للحكومة.

قالت هيومن رايتس ووتش إن بعض المنافذ الإعلامية العراقية معروفة بإثارة الجدل الطائفي، بما فيه التحريض على العنف، لكن هذه القيود الأخيرة تتجاوز ما يسمح به القانون الدولي في حالات الطوارئ، فتعمل دون مسوغ على حماية الحكومة والقوات الأمنية من الانتقاد والمحاسبة. كما يبدو أنها تطبق على نحو تعسفي، حيث لم تستهدف أية قنوات موالية للحكومة بعمليات الإنذار أو الإغلاق.

يمنع منعاً باتاً، بحسب المادة الخامسة، بث أية رسائل من جماعات مسلحة أو مقابلات مع أحد أعضائها، وتحذر التوجيهات الإعلاميين من “البحث عن ‘سبق‘ على حساب مصلحة البلاد وتعكير الأمن”.

كما أن المادة التاسعة تلزم وسائل الإعلام بـ”بث برامج تشيع الحماس والروح القتالية ضد الإرهاب”، مما يعنى البث المنتظم لـ”الأهازيج الوطنية، وبث لقطات وصور الحشود الجماهيرية وبطولات قواتنا الأمنية”.

وقد أجاز قانون السلامة الوطنية الذي أعلنه رئيس الوزراء نوري المالكي في 16 يونيو/حزيران، أجاز للحكومة تقييد وسائل الإعلام، فالمادة 8، فقرة 11 من إعلان الطوارئ تلزم جميع وسائل الإعلام بتقديم كافة موادها للمراجعة قبل النشر أو البث، رغم أن هيومن رايتس ووتش لم تستطع التحقق من مدى إنفاذ هذا الشرط.

وتسمح المادة 13 من إعلان الطوارئ للمسؤولين بمراقبة “الرسائل البريدية والبرقية وكافة وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية والإلكترونية”.

أما مدى قيام الحكومة بمراقبة مراسلات الصحفيين وغيرهم فهو غير معروف، لكن صحفيين عراقيين قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم اعتادوا عدم التحدث في مسائل حساسة على الهاتف أو الإنترنت.

في 26 مايو/أيار أثناء اشتباكات حكومية مع جماعات سنية مسلحة بمحافظة الأنبار، أرسل مدير هيئة الإعلام والاتصالات الدكتور صفاء الدين ربيع رسالة إلى كافة وسائل الإعلام تنطوي على تهديد لتلك المنافذ التي “تؤيد الجماعات الإرهابية عبر وسائل الإعلام بنشر عمليات تلك الجماعات”. وقد حذر ربيع من “مساءلة” من يخفق في احترام هذه القواعد، لكنه لم يستفض في الشرح.

وفي 21 يونيو/حزيران أرسلت الهيئة خطاباً إلى منفذ إعلامي نشر تغطية انتقادية للحكومة ولم يشأ الكشف عن اسمه مخافة التنكيل. وورد في الخطاب: “برامجكم تهدد الأمن القومي ومن ثم وجب عليكم الحذر. إذا تكرر مثل هذه البرامج فسوف يتم سحب الترخيص”.

وفي 24 يونيو/حزيران قالت الهيئة المنظمة للبث الإعلامي في مصر، الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، إنها حظرت بث قناتين تلفزيونيتين عراقيتين تبثان من القاهرة، هما البغدادية والرافدين، على النظام الفضائي المصري الرئيسي، النايلسات، بعد تلقي مسؤولين مصريين لشكاوى من بغداد بشأن ما تبثه القناتان.

قال زياد العجيلي ، المدير التنفيذي لمرصد حرية الصحافة، لـ هيومن رايتس ووتش إن الرافدين معروفة بتوجهها الموالي للسنة المتشدد ، وإنها “كانت دائماً تحرض على العنف داخل العراق”. أما البغدادية فهي تبث ترير استقصائية تنتقد الحكومة في كثير من الأحيان، ولم يعرف عنها الدعوة إلى العنف، بحسب قوله. قبل أسابيع قليلة قامت الشرطة الأردنية بإغلاق قناة العباسية في عمان، التي كانت تعارض المالكي، بحسب تقرير من “صحفيون بلا حدود“.

قال مدير الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر في تصريح لوسائل الإعلام العالمية إن السلطات أوقفت بث البغدادية والرافدين على النايلسات بسبب مخالفة القناتين لبنود التعاقد معهما “بشأن المحتوى”.

وكانت الحكومة العراقية قد استهدفت البغدادية في أحيان كثيرة، وقال العليجي إن توجه البغدادية كان يتسم بالتوازن والدعوة إلى السلام ومكافحة الإرهاب، لكنها تعرضت للاستهداف بسبب تغطيتها الانتقادية. قامت السلطات بإغلاق القناة في ديسمبر/كانون الأول 2012 متذرعة بمخالفات غير محددة لقواعد البث، وإخفاق مزعوم في تسديد رسوم البث. وقد سبق للحكومة إغلاقها في توقيت أسبق في 2010 لعدة أشهر، بعد بث المطالب الخاصة بمسلحين هاجموا كنيسة في بغداد وقتلوا 58 شخصاً. قالت هيئة الإعلام إن بث تلك المطالب “يرقى إلى مصاف التحريض على العنف”.

قال أحد أفراد طاقم البغدادية لـ هيومن رايتس ووتش إن حوالي 16 من رجال الشرطة حضروا إلى مكتب القناة في بغداد في 20 يونيو/حزيران واعتدوا بالضرب المبرح على اثنين من الحراس بحيث اضطرا لدخول المستشفى، وصادروا بعض معدات القناة.

وقال موظف البغدادية: “حاولنا الاتصال بوزارات مختلفة وبهيئة الإعلام لحل المشكلة، لكنهم رفضوا مجرد الالتقاء بنا”.

كما اتخذت الحكومة العراقية خطوات لإغلاق بعض المواقع الإلكترونية الإخبارية والاجتماعية، وفي بعض الأماكن حاولت قطع الإنترنت بالكامل. قامت شركة الاتصالات والبريد المملوكة للدولة بحجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي في 13 يونيو/حزيران، بما فيها “فيسبوك” و”تويتر” و”سكايب” و”يوتيوب”. وأفادت وكالة الأهرام للأخبار بأن الحظر رفع في 30 يونيو/حزيران لكن بعض المواقع ظلت محجوبة في بعض المناطق. وقال سكان من تكريت والموصل لـ هيومن رايتس ووتش إنهم ما زالوا يعانون من غياب أو بطء الوصول إلى الإنترنت.

ولم تتخذ الحكومة أي إجراء معروف بحق المنافذ الإعلامية المؤيدة للحكومة أو للمليشيات الشيعية، مثل قناة الاتجاه التابعة لمليشيا كتائب حزب الله، وقناة العهد التابعة لمليشيا عصائب أهل الحق.

أما قناة العراقية التلفزيونية التي تديرها الدولة فكثيراً ما تبث اعترافات ممن تطلق عليهم إرهابيين مقبوض عليهم، قبل مثولهم أمام قاض فيما يبدو. وقد قررت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن على وسائل الإعلام تجنب التغطية التي تقوض افتراض البراءة.

ولم تعف وسائل الإعلام العالمية فقد تم استهدافها بدورها. في 12 يونيو/حزيران قالت قناة العربية إن الحكومة العراقية هددت بإغلاق مكتبها في بغداد ومنع مراسليها، هي والقناة الشقيقة “العربية الحدث”، من العمل في البلاد.

قال عبد الرحمن الراشد، المدير العام للعربية: “يريد المالكي معاقبة العربية كما فعل عند إغلاق عدد كبير من الصحف والقنوات التلفزيونية في الأعوام القليلة الماضية لمجرد أن تلك المنافذ الإعلامية انتقدت سياساته”.

في 19 يونيو/حزيران قام مسؤول من وزارة النفط، على قناة العراقية التي تديرها الدولة، بتهديد وكالات الأنباء الدولية على نشر ما زعم أنه معلومات مضللة بشأن القتال عند مصفاة النفط في بيجي.

وقد وثقت هيومن رايتس ووتش فيما سبق قيام الحكومة باعتقال وملاحقة صحفيين نشروا تقارير عن فساد الحكومة أو انتهاكاتها.

قال جو ستورك: “تشن الحكومة العراقية حملة قمعية على وسائل الإعلام الانتقادية في ساعة الاحتياج إلى الحقائق والنقاش. إن إغلاق قنوات بتهم مختلقة دون إجراءات سليمة مع السماح لوسائل الإعلام الموالية للحكومة بالتحريض على العنف وخرق القانون يفضح ازدواجية المعايير”.