الآشوريون المسيحيون في العراق متخوفون من التهديد الذي يشكله داعش لتراثهم!
محمد صالح – المونيتور
ألقوش، العراق – عندما قام المقاتلون بقيادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والذي أصبح اليوم معروفًا بالدولة الإسلامية، باقتحام الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، في 10 حزيران/يونيو، سارعت أم حنا، وأسرتها الممتدة المؤلفة من سبعة أفراد، إلى التوجّه نحو بلدة ألقوش الأكثر أمنًا، والتي تبعد 50 كيلومترًا (31 ميلاً) نحو الشمال.
تعيش العائلة في ألقوش في منزل بغرفتين قدمه لها أحد السكان المحليين من دون مقابل. وكعائلة مسيحية، اعتبروا أنّ بقاءهم في الموصل سيؤدي إلى إبادتهم على أيدي المقاتلين.
قالت أم حنا للمونيتور، وهي تقف بين أفراد عائلتها، “الوضع خطير بالنسبة للمسيحيين، لا أحد يعلم كيف سينتهي بهم الأمر في الموصل.”
لم تتحقق أسوأ مخاوف أم حنا وكثيرين آخرين مثلها، على الأقل حتى الآن.
كثيرون مثل أم حنا توقعوا أن يشن داعش حملة للقضاء على غير المسلمين، مثل المسيحيين وأتباع اليزيدية، ديانة بلاد ما بين النهرين القديمة. وقد افترضوا أنّ داعش سرعان ما سيشرع في تدمير تراثهم الثقافي في الموصل. ويقدّر عدد من قادة المجتمع المسيحي الذين تحدّث معهم المونيتور أنّ بضع مئات من المسيحيين لا يزالون في الموصل على الأرجح. لكن يبدو أنّ الجهاديين امتنعوا عن تنفيذ أعمال عنف واسعة النطاق ضد هذه المجموعات وعن التدمير المنظم لرموزها الدينية أو الثقافية.
يتناقض ذلك مع سجلّهم الحافل في سوريا المجاورة حيث شنوا حملة وحشية وقتلوا أعدادًا كبيرة من أتباع الديانات الأخرى. ودمّر أيضًا مقاتلو داعش في سوريا المواقع الدينية والأثرية التابعة للأقليات.
بالمقارنة مع ذلك، يبدو أنّ عددًا قليلاً من الرهبان والمسيحيين جرى اختطافهم في الموصل. لكنّ حصيلة القتلى مُختلف عليها ولا يمكن التأكد منها في هذه المرحلة.
وعلى الرغم من التقارير الإعلامية حول خطط داعش لتدمير الآثار المقدسة والمواقع الدينية المسيحية، يبدو أنه لم يجر حتى الآن سوى تدمير تمثال واحد للسيدة العذراء، وفق ما علم به المونيتور من مصادر مطلعة على الأرض.
أُزيل التمثال من كنيسة الطاهرة الكلدانية في حي الشفاء في الموصل بعد أيام فقط من غزو داعش للمدينة. وفي 29 حزيران/يونيو، قامت أيضًا قوات داعش بتحويل كنيسة تستعملها الأبرشية الكلدانية الكاثوليكية في الموصل إلى مكتب، بحسب ما أفاد به باسم بلو، رئيس بلدية بلدة تلكيف التي تبعد أقل من 10 أميال إلى شمال شرقي الموصل. وقال بالو، من الطائفة المسيحية، للمونيتور، إنّ لديه علاقات في الموصل وأكّد أنّ مبنى الأبرشية ليس له أي قيمة أثرية.
وفي حين أشارت بعض المواقع الإلكترونية والمصادر التي تحدث معها المونيتور إلى تدمير التمثال الآشوري للمخلوق الأسطوري المجنّح برأس إنسان وجسم حيوان المعروف بـ’لاماسو’، والذي يعود تاريخه إلى 3,200 عام، نفى بشدة مسؤولو الآثار في الموصل هذا الموضوع.
وقال مصدر رفيع في دائرة آثار الموصل، لم يرغب في الكشف عن هويته لدواع أمنية، للمونيتور “أنا أذهب إلى العمل يوميًا وأتحقق بانتظام من مواقع أثرية مختلفة برفقة الموظفين لدي، ويمكنني أن أقول لكم إنّه لم يجر تدمير أي من المواقع القديمة أو القطع الأثرية حتى الآن.”
أجمعت المصادر المختلفة التي تحدّث معها المونيتور على غياب أي عملية تدمير لكنائس أو مواقع أثرية آشورية ومسيحية في نينوى حتى الآن.
وقال أنور هدايا للمونيتور، وهو أحد الأعضاء المسيحيين في مجلس محافظة نينوى، ويقيم حاليًا خارج الموصل “لم تقم حتى الآن المجموعات المسلحة بتدمير أي كنيسة، أو دير أو موقع قديم داخل الموصل. لا يجب أن يشكّل ذلك إطراء لهم، لكن ربما هم يحاولون إيصال رسالة إلى العالم بأنهم ثوريون لا مجموعات إرهابية.”
ويوافق آخرون على أنّ داعش حاول تقديم صورة مختلفة عن نفسه.
قال عبد الهادي محمد، وهو اسم مستعار لصحفي داخل الموصل لم يرغب في استعمال اسمه الحقيقي لدواع أمنية، للمونيتور، “هم [داعش] يعلمون أنّهم بحاجة إلى تحسين صورتهم. إنّ الانطباع الذي تركه داعش بين الناس هو أنه يقتل الناس، ويأخذ أغراضهم ويدمّر ممتلكاتهم. لكن هذه التصرفات لا تتشابه مع ما يقومون به بشكل عام في الموصل.”
ومع أنّ معظم التغطية الإعلامية للاضطرابات المتواصلة في العراق تركّز على ما يبدو على داعش، يبقى في الواقع هذا التمرد السني العربي المتجدد تحالفًا غير متين بين مجموعات مختلفة لديها غالبًا أهداف إيدولوجية وسياسية متعارضة تمامًا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جيش رجال الطريقة النقشبندية هو لاعب أساسي في حركة التمرد؛ فبقيادة النائب السابق لصدام حسين، عزة ابراهيم الدوري، تمتلئ صفوف هذا الجيش بضباط في الجيش السابق وبموالين لحزب البعث الصدامي.
بالإضافة إلى ذلك، يتألف جزء كبير من حركة التمرد من أعضاء من العشائر السنية، الذين استاؤوا من سياسات التهميش التي اتبعتها حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. وكان الكثير منهم يخدم في صفوف قوات مجلس الصحوة الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد اندفاع قواتها في العام 2007 لمحاربة القاعدة وغيرها من المجموعات المتطرفة.
قد يشرح ذلك بشكل جزئي المقاربة الأقل عنفًا غير المتوقعة تجاه الأقليات الدينية غير المسلمة في الموصل وفي أجزاء أخرى من العراق يسيطر عليها المحاربون السنة. وإنّ القاسم المشترك بين هذه المجموعات المختلفة هو المعارضة المشتركة لحكم المالكي، وقوات الأمن التي تزداد الهيمنة الشيعية عليها وتسيء معاملة العرب السنة بحسب ما تفيد الادعاءات.
لكن المحاربين السنة لم يظهروا رأفة مماثلة بالجنود الشيعة، ولا حتى بالمدنيين في بعض الحالات. فلقد شن المحاربون السنة بقيادة داعش حملة وحشية وذبحوا عشرات المسلمين الشيعة في مناطق واقعة جنوب كركوك، وأعدموا أيضًا من دون تفكير عشرات الجنود الشيعة الذين اعتقلوهم في أكاديمية للقوات الجوية في تكريت.
وبالنظر إلى موجة العنف التي يبدو أحيانًا أنّ داعش تروج لها بفخر الكترونيًا، يتخوف كثير من المسيحيين في نينوى من أنّ الوضع قد يتغير بالرغم من التحفظ النسبي الذي يظهره داعش حاليًا.
قال هدايا، وهو عضو في مجلس محافظة نينوى “تساورنا مخاوف جدية مما قد يحصل. هم لم يبدأوا بعد بتدمير الكنائس وغيرها من المواقع الدينية والأثرية، لكننا متخوفون من أنّ ذلك قد يحصل في أي لحظة.”
ترتبط نينوى ارتباطًا وثيقًا بالتراث الآشوري المسيحي، فقد كانت مقر الامبراطورية الآشورية ومعقل المسيحية لفترة طويلة في العراق وفي المنطقة على نطاق أوسع. ويتواجد أيضًا في نينوى عدد كبير من الكلدان المسيحيين.
يشعر البعض هنا في العراق بالقلق إزاء تعزيز داعش لموقعه، وبخاصة قيام الخلافة، ما قد يدفعه بالتالي إلى فرض نسخة متشددة من الشريعة.
وقال عبدالغني علي يحيى للمونيتور، وهو صحفي ومعلق كردي اعتاد زيارة الموصل والسكن فيها لفترات طويلة، “قد تصبح سياساتهم وتصرفاتهم أشد عنفًا بعد إنشاء الخلافة. قد يسعون مثلاً إلى تكرار تجربة طالبان في أفغانستان.”
وفي المنزل المتواضع الذي استقرت فيه عائلة أم حنا في الوقت الحالي، قاطعت كنة أم حنا حديثنا من دون أن تكون قادرة على إخفاء قلقها من الأوضاع التي يواجهها المسيحيون.
وقالت “ما من مستقبل للمسيحيين في الموصل بعد الآن. لا أحد يعلم ما سيحصل لاحقًا.” وهي لم ترغب في الإفصاح عن اسمها خوفًا من أن يتم التعرف على العدد القليل من أقربائها الذين ما زالوا في الموصل. “نحن أقلية ولكن مع ذلك دفعنا الثمن غاليًا، أكثر من أي مجموعة أخرى، في خلال السنوات الماضية.”