المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

(UPR)الاستعراض الدوري الثاني لملف حقوق الانسان في العراق

بمناسبة اقتراب موعد خضوع العراق لآلية الاستعراض الدولي الشامل لملفه في مجال حقوق الإنسان، للمرة الثانية، والمؤمل تنفيذه في مقر مجلس حقوق الانسان – جنيف اواخر كتوبر 2014

اسماعيل داود[1]

حزيران 2014

تعتبر آلية ألاستعراض الدوري الشامل لملفات الدول الاعضاء في الامم المتحدة في مجال حقوق الانسان والمعروف اختصاراً ب (UPR)، آلية فريدة من نوعها في العالم.  ولدت مع ولادة مجلس حقوق الإنسان، والأخير يمثل هيئة فرعية تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة و يتخذ من جنيف مقرا له.  وحل المجلس هذا محل لجنة حقوق الإنسان وتولى كافة مسؤولياتها.

Sessions

وضمن توجه دولي لتجاوز حالة التعامل المتباين بين الدول فيما يتعلق بملفات حقوق الانسان فيها والتي طالما اتهمت فيها اللجنة السابقة، تم تبني آلية ألاستعراض الدوري الشامل، لتضم استعراض لملفات جميع الدول في مجال حقوق الإنسان مرة كل اربع سنوات وعلى قدم المساواة.

وتم  إنشاء آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR) بموجب قرار الجمعية العامة 60/251  المؤرخ 15 مارس [2]2006. ونفذ مجلس حقوق الانسان الدورة الاولى في الفترة (2008-2011) حيث استعرضت 193 دولة ومن ضمنها العراق، ملفاتها في مجال حقوق الانسان.

وبالرغم من ان مجلس حقوق الإنسان راعي عملية الاستعراض هو مجلس حكومات وليس مجلس خبراء، و بالتأكيد فإن اغلب ممثلي هذه الدول في هذا المجلس هم في الأساس يتعاطون السياسة وليس بالضرورة حقوق الإنسان! مع ذلك فان على هذا المجلس وحسب الرؤيا التي تأسس وفقها ان يسترشد في عمله بمبادئ العالمية والحياد والموضوعية و ان لا يكون انتقائياً . وفكرة الاستعراض هي ان يتاح  لكل دولة من الدول أن تعلن ما هي الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدانهم، وعلى الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، فبطبيعة الحال هذه الآلية صممت لان تكون مُكمّلة لعمل الهيئات المنشأة بموجب معاهدات حقوق الانسان ذات الاختصاص و ﻻ تكرر عملها. كذلك هي تعتمد على إشراك الدول بشكل طوعي في عملية المراجعة، وهو خيار بعيد المدى أخذ بحسبانه أهمية إقناع الدول في الخضوع لهذه الالية في المقام الأول . وتقوم الدول بتقديم تقرير تحريري او شفهي، بينما تقدم اللجان المختصة بحقوق الانسان تقريرا يصف التزام الدولة محل الاستعراض بالمعاهدات ذات الصلة وبحقوق الانسان بشكل عام، فيما يحتوي تقرير ثالث موقف اصحاب المصلحة من منظمات غير حكومية وجهات اخرى معنية بحقوق الانسان.

وبالرغم من اهميتها فأن آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR) لا تتعدى أن تكون وسيله لا تخلو من نقاط ضعف لا تتنزه عنها المنظومة الدولية الخاصة بحقوق الانسان والقانون الدولي بشكل عام.

يُقبل العراق على دورهِ في الاستعراض الدوري الشامل في دورته الثانية وهو يواجه موجة عنف تهدده وجوده وكيانه.  وهو امر سيعقد كثيرا مهمة القائمين على الاستعراض والمنخرطين به. فبالمقام الاول لم يتم التأكد الى الان من الموعد النهائي لجلسات الاستعراض. حيث وفقا للبرنامج الاولي للمجلس فان العراق مدرج على الاستعراض في الدورة العشرين للفترة مابين تشرين الاول/ اكتوبر  و تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. كذلك لم يتم تسليم التقرير الخاص بدولة العراق للمجلس الى هذه اللحظة ومما يزيد التعقيد انه ليس معروفا ان كانت الحكومة العراقية الحالية ستستمر بالعمل ام ان حكومة جديدة ستتشكل وفقا لنتائج انتخابات عام 2014 وهل سيكون هناك وزارة لحقوق الانسان في مثل هذه الحكومة!

كل ذلك يخلق غموضا حول الاستعراض وحول عقده في الموعد المخطط له. ومن غير المعروف الى الان فيما اذا كانت الحكومة العراقية (الحالية او القادمة) مازالت تأخذ عملية الاستعراض ضمن حساباتها او  هل انها ستعهد لوزارة حقوق الانسان هذه المرة ايضا برئاسة وفد العراق للاستعراض مع كل ما يدور حول اخفاق هذه الوزارة في مجال حماية وتحسين وضع حقوق الانسان في العراق خلال السنوات الماضية. هذا بالإضافة الى  تضارب صلاحيات الوزارة فيما اذا استمر وجودها مع مفوضية حقوق الانسان المستقلة وحديثة التأسيس. ويتوقع ان يكون للأخيرة دور محدود في الاستعراض اذا ما تم فهي تعاني من حرج ومنذ انشائها وفقا لنظام المحاصصة السياسية القائم في العراق، فتتردد في مواقفها خوفا من تعرضها لهجوم من الحكومة الحالية، حتى انها  لم تنجح في انتخاب رئيس لها في انتظار ما ستؤول اليه اوضاع العراق في المستقبل القريب!

من يقوم بالاستعراض ووفق أي أُسس

تجرى عمليات الاستعراض الدوري الشامل من جانب فريق عامل ،يرأسه رئيس مجلس حقوق الإنسان و يتألف من الدول السبع والأربعين الأعضاء في المجلس. يقوم بتسهيل وإدارة استعراض كل دولة مجموعة من ثلاثة مقررين يمثل كل منهم دولة من إقليم جغرافي مختلف. يشكل المقررون الثلاثة والذين يتم اختيارهم كممثلين لبلدانهم ما يسمى بالترويكا أو (الفريق الثلاثي). وفي حالة العراق فان الترويكا من المقرر ان تظم : مقدونيا ، الامارات العربية المتحدة و بوركينا فاسو[3]. يقع على الترويكا بالإضافة إلى تيسير عملية الاستعراض إعداد تقرير فريق العمل. وهنا أيضا تُسجل نقطة محورية تعتبر مأخذا على هذه الآلية ،فبينما يقوم عضو الترويكا بتحضير الأسئلة التي ستطرح على الدولة التي تخضع للمراجعة وتكون له صلاحية توجيه النقاش او عدم توجيهه. فأننا نلحظ عدم وجود اشتراطات لعضوية الترويكا فيمكن للعضو أن يكون خبير حقوق إنسان ،أودبلوماسي ، وذلك حسب رغبة الدولة التي يمثلها. وهذا قد يفتح المجال واسعا لصفقات سياسية قد تضيع في ثناياها حقائق كثيرة عن واقع حقوق الإنسان في الدولة محل الاستعراض.

يستند الاستعراض ووفقا لقرار  مجلس حقوق الانسان 5/1 من عام 2007 الخاص بالاستعراض، على مراجعة ثلاثة وثائق ﻻ يتعدى مجموعها الأربعون صفحة ويجب ان تتناول فترة زمنية محددة وهي الأربعة سنوات الماضية فقط ،وتتقسم بالشكل التالي:

1.            تقرير الدولة

تقدم الدولة محل الاستعراض تقرير وطني شفهي أو مكتوب ﻻ يتجاوز عشرين صفحة ويتضمن معلومات تُعدها الدولة واستنادا إلى مبادئ توجيهية عامة خصصها مجلس حقوق الإنسان لهذا الغرض. تَذكر فيه الدولة كيف تفي بالتزاماتها تجاه حقوق الإنسان. و “تُشجع” الدول على أن تجمع معلوماتها لهذا التقرير من خلال عملية تشاورية واسعة مع كافة الأطراف المعنية على المستوى الوطني.

2. ملخص مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

يجب إن لا يتجاوز هذا الملخص العشرة صفحات ويتضمن التوصيات الصادرة عن آليات حقوق الإنسان الدولية مثل هيئات المعاهدات  و الإجراءات الخاصة، وغير ذلك من وثائق الأمم المتحدة الرسمية ذات الصلة.

3. ملخص تقرير أصحاب المصلحة

والمقصود بأصحاب المصلحة هنا وعلى سبيل المثال ﻻ الحصر منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان الوطنية. تقوم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بجمع التقارير والمعلومات من أصحاب المصلحة ووفقا لتوجيهات أعدتها لهذا الغرض، ثم تباشر المفوضية  بإعداد موجز لهذه المعلومات ﻻ يتجاوز العشرة صفحات أيضاً. من الواجب ذكره هنا بان عدد من المنظمات العراقية قد بادر الى ارسال معلومات لتضمن في تقرير اصحاب المصلحة، حيث ارسل تقرير عن حرية التعبير وآخر عن حقوق الاقليات في العراق.

الاستعراض سيجري على شكل حوار تفاعلي لمدة ثلاثة ساعات بين الدولة موضع الاستعراض والدول الأعضاء والمراقبة في المجلس. يتيح هذا الحوار للدولة موضع الاستعراض  تقديم بيان استهلالي والرد على الأسئلة والتوصيات التي تقدمها الدول قبل الحوار التفاعلي أو أثناءه.  وبينما يسمح للمنظمات غير الحكومية التي لديها الصفة الاستشارية[4] لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة بحضور النقاش فان المرجح أن ﻻ يسمح لها بالمشاركة في الحوار. لكن هناك مجموعة من الانشطة التي تتمكن المنظمات غير الحكومية من عملها على هامش الاستعراض للفت انظار الدول الى النقاط المهمة المتعلقة بحقوق الانسان، على سبيل المثال توزيع بيانات او عقد مؤتمرات صحفية او تنظيم ندوات في اروقة المجلس.

بعد النقاش داخل المجلس تقوم الترويكا بإعداد وثيقة نتائج أو تقرير عن الاستعراض يتضمن موجز إجراءات عملية الاستعراض والتوصيات والوعود الطوعية من جانب البلد محل الاستعراض. مرة اُخرى يحق للدولة محل الاستعراض في ان تعلن التوصيات التي تقبل الالتزام بها وتلك التي ترفضها.  يتم تحويل هذا التقرير وبعد اعتماده في الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل الى مجلس حقوق الانسان لغرض اعتماده. وهكذا يترتب على كل دولة مراجعة التزاماتها وتنفيذ التوصيات التي نتجت عن عملية الاستعراض ﻻنها ستعود بعد اربع سنوات لتخضع لهذه الالية ولهذا الاستعراض مرة اخرى. ويجدر على الراغبين بالمساهمة او متابعة الاستعراض الثاني البدء بمراجعة وثائق وتقارير الاستعراض الاول (عقد في شباط عام 2010) وتتوفر وثاقه وبعدة لغات على صفحة العراق في موقع الامم المتحدة الالكتروني والمختص[5].

——————————————————————————————————-
[1]ناشط وباحث في مجال حقوق الانسان، وحضر الدورة الاولى لاستعراض العراق ، في عام 2010.

[2]ويرد بيان موجز لأساس الاستعراض ومبادئه وأهدافه وعمليته ونتائجه في قرار مجلس حقوق الإنسان  5/1 والمؤرخ 18 حزيران 2007

[3]انظر الى الجدول الخاص بالجلسة العشرين والمنشور على موقع المجلس على الرابط التالي: http://www.ohchr.org/EN/HRBodies/UPR/Pages/UPRMain.aspx

[4] الصفة الاستشارية هي الترتيبات الموضحة في ثلاث قرارات للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاعوام 1950و1968 و1996 ، والتي تمنح من خلالها المنظمات غير الحكومية الحق في المشاركة ضمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي وجميع اجهزته الفرعية. لمراجعة اكثر حول الموضوع اطلع على كُتيب “مفهوم المنظمة غير الحكومية” تاليف البروفيسور بيتر ويلتس وترجمة كاتب هذا المقال.

 

[5] http://www.ohchr.org/EN/HRBodies/UPR/Pages/IQSession7.aspx