تكريت تفتح الباب للمعارك المقبلة
مصطفى الكاظمي – المونيتر
مع اعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مساء يوم 2/4/2015 تحرير مدينة تكيت من سيطرة تنظيم “داعش” ورفع العلم العراقي فوق مبنى حكومتها المحلية، تكون الحرب ضد تنظيم “داعش” قد وصلت الى مفترقات طرق اساسية، ستحدد نجاح العراقيين فيها طريقة تعاطيهم مع النصر في تكريت وخياراتهم للمعارك المقبلة.
وابتداء من الضروري التأكيد ان تكريت هي المدينة الكبرى الاولى التي يتم تحريرها من يد تنظيم “داعش” في العراق بعد اكثر من عام على احتلال التنظيم مدينة الفلوجة كانون الثاني 2014، ومن ثم الموصل وتكريت في حزيران من العام نفسه.
ولهذا تحديداً يكتسب تحرير تكريت اهمية قصوى في تحديد مسارات المعركة مع تنظيم “داعش” مستقبلاً، وتلك المسارات لايمكن الاتفاق عليها من دون التعامل مع حقائق تتعلق بمعركة تكريت اهمها :
اولاً : ان العملية العسكرية في تكريت، كانت مثالاً للتكامل العسكري بين القوات العراقية من جيش وشرطة، وقوات الحشد الشعبي، والعشائر ، بمساندة التحالف الدولي الذي كان له دور محوري في معالجة استحكامات “داعش” داخل المدينة.
ثانياً: ان مسك الارض في تكريت مهمة ليست سهلة، وتتطلب قوات مدربة، تتيح تطهير المدينة بشكل كامل ومن ثم تأهيلها واعادة السكان واستعادة الحياة الطبيعية فيها.
ثالثاً: ان الرسائل التي ارسلتها تكريت لتنظيم داعش، متنوعة، ابرزها ان القوات العراقية تجاوزت بشكل كامل صدمة الهزائم السابقة ضد التنظيم، وانتقلت الى مرحلة الانتصار عليه، وان القضاء عليه في العراق بات مسألة وقت وخيارات.
رابعاً: ان الاسراع في تأهيل واعمار المدينة واعادة المهجرين منها، يقوض الزخم الاعلامي لتنظيم “داعش” والذي يحاول تسويق القوات العراقية باعتبارها مليشيات انتقامية.
امام هذه المعطيات، سيكون لانضباط القوات المرابطة داخل تكريت الان، وتسليمهم الامن فيها الى الشرطة المحلية كما امر رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، بعد تأمينها بالكامل.
وهذه رسالة تطمين للسكان المحليين، بأن الامن في المدينة سيكون مهمة قوات الشرطة بعد ان اكملت قوات الجيش والحشد الشعبي مهمة التحرير. بمعنى استعادة الطابع المدني لتكريت ليكون بالامكان اعادة سكانها. صحيح أن تجاوزات حدثت في اول يوم الانتصار في تكريت وهي قليلة جدا عكس ما وصفته وسائل الاعلام، ولكن تم اعتقال الكثير من المتجاوزين والان بدات عملية بناء البنية التحية للمدينة.
لكن النجاح في تحرير تكريت يفرض خيارات اخرى امام القيادات العراقية ابرزها تحديد وجهة المعارك المقبلة بين الموصل والانبار.
معظم التكهنات تشير الى ان المعارك المقبلة ستكون في الانبار، وتستند الى جملة من الحقائق ابرزها ان معركة الانبار لن تتطلب توافقات سياسية كبيرة مقارنة بمعركة الموصل، ففي مقابل ان العشائر هي الطرف الشريك للقوات العراقية في الانبار، فأن الموصل يبدو وضعها اكثر تعقيداً بتداخل نفوذ قوات “البيشمركة” الكردية، مع تلك الوحدات التي يشرف محافظ المدينة اثيل النجيفي على تدريبها بمساعدة تركية، واميركية.
واقع الحال ان اشتراك قوات “الحشد الشعبي” في معركة تكريت، فرضته اعتبارات كثيرة، كما ان التوصل الى معادلة تجمع الحشد الشعبي، مع الدعم الدولي للعراق، كانت مهمة صعبة، والواقع ان التوصل الى مثل هذه المعادلة في الانبار سيكون متاحاً بعد اجراء التفاهمات اللازمة مع عشائر المحافظة.
المعطة الاخر عسكري، فالانبار تضم مدن مختلفة يسيطر تنظيم “داعش” على معظمها، فيما تفرض القوات العراقية وجودها على بعضها مثل حديثة والبغدادي وبعض مناطق الرمادي والكرمة وعامرية الفلوجة.
ان الطبيعة الجغرافية لمدن الانبار على شكل شريط مع امتداد نهر الفرات، تسمح بتوزيع الادوار بين القوات العراقية الرسمية، والحشد الشعبي، والعشائر، فمصدر قوة عشائر الانبار يكمن في مدينة الرمادي التي يجب ان تكون هدفاً اساسياً للمعركة، ويمكن ان يكون للعشائر دور رئيسي في تأمين مناطقها لتكون نقطة الانطلاق لتحرير مدينتي الفلوجة (جنوب شرق الرمادي) والقائم (شمال غرب الرمادي)، اللتان تشكلان مصدر قوة اساسية للتنظيم.
لايمكن القول ان معركة الانبار ستكون سهلة، فالمحافظة التي تحتل قرابة ثلث مساحة العراق، والتي ترتبط بحدود داخلية مع محافظات بابل وبغداد وكربلاء والنجف وصلاح الدين والموصل، وخارجياً مع دول السعودية والاردن وسوريا، تمثل حاضنة شبه دائمة للتنظيمات المتطرفة منذ العام 2003، وتعقيدها الجغرافي واتساع صحاريها وتنوع حدودها، يجعل مهمة تأمينها، شديدة الخطورة.
لكن بالمقارنة مع مدينة الموصل، فأن العامل الهام الذي سيحدد اتجاه المعارك، هو السكان، فالموصل مدينة مازالت مكتظة بالسكان وتحريرها يتطلب دراسة كيفية تجنب الخسائر بين المدنيين، فيما لاتختلف ظروف بلدات الانبار عن صلاح الدين لجهة هجرة معظم السكان من مراكز المدن والبلدات.