المالكي يستخدم الطائفيّة للرجوع إلى السلطة
في الخامس من فبراير/شباط من عام 2011، حيث كان تسلّم رئاسة الحكومة للمرّة الثانية، بعد خلاف عليها طال عشرة أشهر، أشار نوري المالكي لـوكالة الأنباء الفرنسيّة إلى أنّه لا يطمح لولاية ثالثة، مبرّراً ذلك بالقول: “إنّ رئيس الوزراء إذا كان لديه برنامج، وهو كفوء، ينفّذه خلال ثماني سنوات. وإذا لم يكن كذلك، فلماذا نمنحه فرصة أكثر من ثماني سنوات؟”.
بإختصار⎙ طباعة هناك محاولة داخلية مدعومة من إيران لإرجاع المالكي للسلطة ، أو التمسك به كعنصر مؤثر وحاسم في الساحة السياسية يقف على أكتاف الحشد الشعبي.
بقلم علی معمورينشر يوليو 9, 2015
وعلى عكس ما قاله تماماً، تمسّك المالكي بالحصول على الولاية الثالثة، ولم يتنازل عنها، إلاّ بعد أن أُبعد عنها بالقوّة السياسيّة وتخلّي رفاقه عنه.
وفي واقع الحال، إنّ سياسة المالكي اتّسمت طيلة سنوات حكمه بنبرتها الطائفيّة والتقسيميّة، وكانت من الأسباب الرئيسيّة للهزائم العسكريّة الأخيرة في الموصل والرماديّ، ولكنّه ما زال يصرّ على الاستمرار في الطريقة السّابقة نفسها، ويدعو إلى التّراجع عن مسيرة المصالحة الوطنيّة الّتي شرع بها رئيس الوزراء حيدر العبادي. وكدليل على ذلك، أشار في تجمّع عشائريّ في 13 يونيو/حزيران الماضي في كربلاء إلى أنّ عشائر محافظة الأنبار كانت تتنافس في القيام بالاعتصامات ضدّه، واتّهم الأحزاب السياسيّة المنافسة له بأنّها كانت تقف مع الاعتراضات غير القانونيّة ضدّ حكمه. وأخيراً، وصف سقوط المناطق السنيّة في يدّ “داعش” بأنّها كانت “ثورة طائفيّة لسنّة ضدّ الشيعة”.
وفي هذا الخطاب، استخدم ثلاثة أشكال خطيرة من التّفكير السياسيّ الّتي تخدم الصراع الطائفيّ، أوّلها التّقسيم المناطقيّ عبر اتّهام عشائر منطقة معيّنة بأنّها كانت كلّها ضدّ الحكومة العراقيّة، وثانيها تعميق الخلاف السياسيّ عبر اتّهام منافسيه بالوقوف مع الإرهابيّين، وثالثها توصيف الخلاف في العراق على أساسين دينيّ ومذهبيّ.
وهذه الأشكال من التّعميمات تخالف كلّها الوقائع. لقد كانت هناك عشائر في الأنبار تعارض دائماً الاعتصامات وما تلتها من تطوّرات، وكانت الأحزاب المعارضة للمالكي تنادي بالحلّ السلميّ للاعتصامات ولم تكن تساندها. وأخيراً، قدّم السنّة ضحايا من قتلى ومهجرين على يدّ تنظيم “داعش” أكثر من المكوّنات الأخرى، فلا يصح تسمية ما حدث بأنّه ثورة سنيّة ضدّ الشيعة.
وفي خطاب آخر له، بمناسبة تأسيس “الحشد الشعبيّ”، بدا المالكي مؤمناً بقوّة بنظريّة المؤامرة، مبرّراً سقوط الموصل في يدّ “داعش” بأنّها كانت مؤامرة أرادت إسقاط حكومته وقامت بها جهات داخليّة كالأكراد والحكومة المحليّة في الموصل. وقال في تصريح واضح: إنّ إنكار المؤامرة مؤامرة في حدّ ذاتها. وقبيل ذلك ، أيّ في السابع من يونيو/حزيران، انتقد في مقابلة تلفزيونيّة الوقوف ضدّ تولّيه ولاية ثالثة، واصفاً ذلك بـالقرار الخاطئ، إذ لا يصحّ تغيير القائد في وسط المعركة على حدّ تعبيره.
هذا وأثارت تصريحات المالكي الأخيرة ردود فعل مختلفة في الشارع العراقيّ. فمن جهة، رحّب بها الموالون له ولفكرة التّقسيم المذهبيّ في العراق، وكان يفترض به أن يضع النقاط على الحروف منذ اليوم الأوّل، في إشارة إلى اتّهامه مجموعات من المذهب السنيّ من المنطقة الغربيّة في العراق. ومن جهة أخرى، انتقد العديد من النخب العراقيّة تصريحاته وعدّها انقساميّة ومخالفة للواقع.
وفي سياق آخر، حاول المالكي عرض نفسه صاحب فكرة تأسيس قوّات الحشد الشعبيّ والقائد الروحيّ لها، في مناسبات عدّة، أبرزها في مقابلة مع قناة “الآفاق” في 15 مارس/آذار، إذ قال: “أنا أسّست الحشد الشعبيّ، وتأسيسه استراتيجيّة، وأنا المتحدّث عنه منذ زمن بعيد، وحين حصلت الأحداث (يقصد ظهور داعش)، اتّجهت إلى الشعب العراقيّ ودعوته إلى الالتحاق بالقوّات العسكريّة”. هذا في حين أنّ القوّات الشعبيّة المسمّاة بالحشد الشعبيّ تأسّست إثر فتوى من السيّد السيستاني دعت كلّ فئات المجتمع العراقيّ إلى الالتحاق بالقوّات الأمنيّة القانونيّة تحت إشراف الحكومة العراقيّة.
وأثارت تصريحات المالكي هذه، الّتي نصّب فيها نفسه زعيماً لقوّات “الحشد الشعبيّ” حفيظة رئيس الوزراء حيدر العبادي، الّذي قال: “لا يحقّ لأيّ أحد أن ينصّب نفسه زعيماً للمتطوّعين، فهو يلعب بدمائهم”. وتلك إشارة إلى مقتل الآلاف من الأبرياء في عهد المالكي.
والملاحظ أنّ نشاط المالكي الأخير تزامن مع تصريحات مثيرة لمرشد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران خامنئي في 17 يونيو/حزيران، دعا فيها إلى إعطاء دور سياسيّ لقوّات “الحشد الشعبيّ” لترسيم مستقبل العراق، وقال: “إنّ القدرات الهائلة للحشد الشعبيّ تشكّل سنداً للعراق على كلّ الأصعدة، ولا تختصّ بساحة الحرب فقط”. وهذا المنطق يشير إلى الطموح الإيرانيّ لجعل قوّات الحشد مماثلة لقوّات الحرس الثوريّ في إيران من حيث تعدّد المهمّات، لا سيّما القيام بدور سياسيّ بارز يظهر بوضوح في الإنتخابات والأحداث والتطوّرات السياسيّة الكبرى في البلد.
ويستنتج من المعلومات السّابقة أنّ هناك محاولة داخليّة مدعومة من إيران لإرجاع المالكي إلى السلطة، أو التمّسك به كعنصر مؤثّر وحاسم في السّاحة السياسيّة يقف على أكتاف “الحشد الشعبيّ”. ويؤكّد هذا الاستنتاج الظهور المتكرّر للمالكي مع القيادات العسكريّة للحشد المعروفة بارتباطها بإيران.
وفي الواقع، إنّ المرجعيّات والزعامات الدينيّة في النّجف تعارض ذلك بشدّة، إذ أكّدت مراراً أنّها تريد للعراق قراراً سياسيّاً مستقلاًّ وإدارة وطنيّة شاملة وإجراءات قانونيّة بعيدة تماماً عن سلطة العسكر والميليشيات. وفي التّصريحات الأخيرة من النّجف، قال رجل الدين البارز السيّد جواد الخوئي في مقابلة مع قناة “البغداديّة” بـ18 يونيو/حزيران: إنّ حوزة النّجف تعارض كلّ أشكال المحاصصة والطائفيّة، وتنتقد بشدّة ارتباط الأحزاب السياسيّة الحاكمة بالجهات الخارجيّة، وهي ضدّ ظاهرة العمالة السياسيّة المنتشرة بين الطبقة السياسيّة الحاكمة.