قتال طائفي في العراق يعرض مدنيين للخطر: اشتباك الأكراد والتركمان والعرب في طوز خورماتو الشمالية
كررت جماعات مسلحة من التركمان الشيعة والأكراد إيذاء المدنيين وتعريضهم للخطر في اشتباكات في قضاء طوز خورماتو في محافظة صلاح الدين في العراق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015. الجماعات المسلحة قتلت وجرحت وخطفت مدنيين ودمرت عشرات – إن لم يكن مئات – المنازل والمحلات التجارية.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط: “بعض المتورطين في الصراع الدائر في طوز خورماتو يستهدفون المدنيين على أساس الهوية العرقية على ما يبدو. نفذوا أعمال قتل واختطاف وتدمير ممتلكات على نطاق واسع، دون عقاب على الإطلاق”.
في البحث عن الأحداث في طوز خورماتو، تحدثت هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف مع قائمقام المدينة، ومع قيادي في قوات “الحشد الشعبي” هناك، ومع مسؤول في حزب سياسي كردي، وأجرت مقابلة شخصية مع زعيم عشائري عربي ومع محام من البلدة. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش – شخصيا وعبر الهاتف – مع 13 شاهدا على أحداث العنف.
بعد انفجار سيارة مفخخة قتل على الأقل مدنيَّين اثنين وجرح عددا آخر في طوز خورماتو على بعد 80 كيلو مترا جنوب كركوك، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015، اعتقل – تعسفيا – مقاتلون تركمان شيعة من قوات الحشد الشعبي، المدعومة من الحكومة العراقية، على الأقل 150 من العرب السنة سكان البلدة. رغم إطلاق سراح معظمهم في غضون أيام، قال بعض المختطفين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا أو تعرضوا للتعذيب ويعتقدون أن ما بين 8 و34 من المُختَطَفين قُتلوا وأن 50 آخرين لا يزالون محتجزين.
تصاعدت الاشتباكات العرقية بشكل كبير بعد تفجير السيارة الملغومة في 22 أكتوبر/تشرين الأول.
بعد تبادل لإطلاق النار بين قوات البيشمركة الكردية وقوات الحشد الشعبي من الشيعة التركمان عند نقطة تفتيش في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، دارت معركة مسلحة بين الطرفين حول مستشفى طوز خورماتو العام. قتل على الأقل 3 أشخاص، بينهم طبيب، وفقا لثلاثة شهود تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش. لكن أحد الشهود وسكان بدا أنهم على علم جيد بالحادث، قالوا إن عدد القتلى المدنيين ربما يكون أكبر. بعد الاشتباك استعانت الجماعات المسلحة الكردية والجماعات المسلحة التركمانية بسكان البلدة المسلحين، كل من جماعته العرقية، لخطف أعضاء الطرف الآخر، ونهب وحرق منازلهم ومحلاتهم التجارية وسياراتهم.
طوز خرماتو، التي يقطنها خليط سكاني من أكثر من 100 ألف من الأكراد والتركمان والعرب، هي إحدى نقاط العنف الطائفي الملتهبة منذ فترة طويلة. شهدت المنطقة اشتباكات خلال الانتفاضة الكردية في 1991، وأصبح العنف الطائفي من مفردات الحياة هناك منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003. طوز خورماتو- مدينة وقضاء- من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل.
بدءا من سبتمبر/أيلول 2014، طردت البيشمركة الكردية والأسايش (الشرطة السياسية الكردية) جنبا إلى جنب مع قوات الحشد الشعبي، تنظيم “الدولة الإسلامية” المتطرف الذي يعرف أيضا باسم “داعش”، من منطقتي سليمان بيك وآمرلي، جنوب طوز خورماتو مباشرة. نهبت الميليشيات الشيعية، في المقام الأول، وحرقت ودمرت العديد من قرى العرب السنة المحيطة بطوز خورماتو، في حين سيطر البيشمركة على طوز خرماتو. قال عدد من السكان إن مقاتلين من قوات الحشد الشعبي، التي تتألف من أعضاء “منظمة بدر” بقيادة عاطف النجار، و”عصائب أهل الحق” بقيادة الشيخ علي، و”كتائب حزب الله” بقيادة أحمد تشايرلي، تحركت بحرية داخل المدينة والمناطق المتاخمة من الجنوب الغربي.
محام عربي و3 قرويين عرب انتقلوا إلى طوز خورماتو بعد سيطرة داعش على قراهم في منتصف 2014، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن التصاعد الأخير في أعمال العنف والاعتقالات يأتيان بعد أكثر من عام على حوادث اختطاف متفرقة للعرب السنة على يد الحشد الشعبي في منطقتي سليمان بيك وآمرلي المحيطتين بطوز خورماتو.
القتل العمد للمقاتلين الأسرى والمدنيين المحتجزين والتعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة للمحتجزين، والسلب والنهب والتدمير غير المبرر للممتلكات المدنية انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، ارتكبها جميع أطراف القتال في العراق.
في 7 أبريل/نيسان، ضم مجلس الوزراء العراقي رسميا قوات الحشد الشعبي إلى صفوف قوات الدولة تحت قيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي، بوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة. بهذه الخطوة، أضفت الحكومة الصبغة الشرعية على هذه القوات، من الناحية القانونية، وأصبحت مسؤولة عن أعمالها.
قال قائمقام بلدية طوز خورماتو، شلال عبدول، لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم تجر أي تحقيقات، وما من أحد حُمِّل مسؤولية عمليات القتل والاختطاف التي حدثت مؤخرا في طوز خورماتو.
هيومن رايتس ووتش تكرر توصيتها للحكومة العراقية باتخاذ خطوات فورية لإنشاء مركز فعال للقيادة وسيطرة على قوات الحشد الشعبي وغيرها من الميليشيات الموالية للحكومة، وحل تلك التي تقاوم سيطرة الحكومة. على الحكومة أن تضمن أيضا توقيع العقاب المناسب لأفراد المليشيات المتورطين في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وتقديمهم لمحاكمة عادلة. كما تشمل المحاكمات المسؤولين العسكريين والمدنيين المسؤولين عن الانتهاكات التزاما بمبدأ مسؤولية القيادة.
قال ستورك: “طوز خورماتو شرارة كافية لإشعال أعمال الاختطاف والقتل والتدمير ضد الجماعات العرقية. على السلطات المحلية أن تتخذ خطوة أولى مهمة لمنع الانتهاكات الجماعية من خلال محاكمة المسؤولين، من جميع الأطراف، الذين يتحملون الجانب الأكبر من المسؤولية عن الانتهاكات الخطيرة”.
إطلاق النار على مستشفى طوز خورماتو العام في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2015
صباح 12 نوفمبر/تشرين الثاني، أوقفت قوات البيشمركة الكردية على طريق فرعية في طوز خورماتو قافلة من عدة سيارات تنقل مقاتلين تركمان شيعة من قوات الحشد الشعبي وربما بعض المعتقلين. نجم عن ذلك تبادل إطلاق نار أصيب فيه مقاتل واحد على الأقل من قوات الحشد الشعبي، وفقا لـ 3 روايات متواترة قدمها سكان طوز خورماتو لـ هيومن رايتس ووتش. تفيد عدة روايات- لم يتم التحقق منها- بمقتل فرد واحد على الأقل من البيشمركة، وما بين 3 و5 مقاتلين من قوات الحشد الشعبي.
تشمل قوات الحشد الشعبي عدة ميليشيات مثل؛ “فيلق بدر”، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق.
حمل مقاتلو قوات الحشد الشعبي زميلهم المصاب إلى مستشفى طوز خورماتو العام. قال 2 من طاقم المستشفى شهدا الواقعة إن الفريق الطبي عالج لمدة نصف الساعة الرجل الذي بدا أنه في أوائل العشرينيات وكان يرتدي زيا عسكريا، من إصابات بالرصاص في البطن والساق، ثم نقله زملاؤه بسيارة إسعاف إلى مستشفى في كركوك لتلقي مزيد من العلاج.
قال أفراد الطاقم الطبي إن مقاتلي قوات الحشد الشعبي، ربما اعتقدوا خطأ أن المستشفى رفض علاجه، ففتحوا النار عليه. قال أحد أفراد الطاقم الطبي إن قوات فيلق بدر أطلقت النار على سيارة الإسعاف من نقطة تفتيش تبعد بضع مئات من الأمتار عن المستشفى. لاذت الممرضين والسائق بالمستشفى، لكن المصاب توفي، ربما في تبادل إطلاق النار بين قوات بدر والأسايش الكردية المتمركزة داخل المستشفى. سقطت على الأقل 3 قذائف مدفعية في موقف السيارات بالمستشفى، ودمرت أو ألحقت ضررا بـ 11 سيارة للموظفين.
قال قائمقام بلدية طوز خورماتو شلال عبدول إن المجلس البلدي كلف الأسايش منذ 3 سنوات بحماية المستشفى. قال موظفان إن 8 من الأسايش كانوا في المستشفى صباح ذلك اليوم. اعتلى 4 منهم سطح المستشفى المكون من طابقين. تعرضوا لنيران من الأرض ومن شقق في المباني العالية المحيطة بالمستشفى. رد الأسايش المتمركزون على سطح المستشفى بإطلاق النار. قال شاهد ثالث إن تعزيزات من البيشمركة وصلت إلى محطة الكهرباء في الجانب المقابل عبر الشارع، وأطلقت النار على المستشفى والمباني المحيطة.
قال موظفون إن بين 150 و200 من الموظفين والمرضى تجمعوا في الطابق الأرضي نحو الساعة 5 مساء، ورافقهم عناصر يفترض أنهم من الأسايش للخروج في مجموعات من 30 شخصا. قال موظف إنه بعد هدنة، دخل مقاتلو قوات الحشد الشعبي المستشفى واستمروا في اصطحاب الموظفين والمرضى إلى مكان آمن خارج المستشفى.
قال موظف إنه كان من بين آخر من غادروا، مع الدكتور عبد الخالق عبد الكريم، المدير الكردي السابق للمستشفى الذي كان لا يزال يمارس عمله جراحا وأخصائي أمراض باطنية. لكن قائد قوات الحشد الشعبي طلب من الدكتور عبد الكريم أن يعود لأنه “لم ينته منه”. عُثر على جثة الدكتور عبد الكريم على بعد 20 مترا من المستشفى في وقت لاحق من تلك الليلة. أظهرت لقطات لجثة الطبيب- راجعتها هيومن رايتس ووتش- جرح رصاصة واضحا في منتصف جبهته، وأضرار لحقت بأنفه وفمه.
قال شاهدان- كل على حدة- إن ضابطا من الأسايش قُتل بعيار ناري في العين، وأن زائرا يرافق مريضا في الطابق العلوي قُتل أيضا في إطلاق النار.
حرق محلات كردية وتركمانية في 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015
قال العديد من سكان طوز خورماتو لـ هيومن رايتس ووتش إنه في مساء يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني دخلت قوات البيشمركة وغيرها من المسلحين الأكراد، وقوات الحشد الشعبي وغيرها من المسلحين الشيعة التركمان أحياء بعضها البعض، وأحرقت المنازل والمحلات التجارية.
قال قائمقام البلدة إن “الجانبين تصرفا بشكل غير مسؤول، وحرقا المتاجر والمنازل وأخذا الناس بعد ذلك رهينة”. أقر مسؤول بارز في الاتحاد الوطني الكوردستاني، الحزب الكردي المهيمن في طوز خورماتو، أن الأكراد دمروا المحلات التجارية التركمانية، وأن التركمان دمروا المنازل والمحلات التجارية الكردية. قال أحد السكان العرب إنه أحصى على الأقل 50 متجرا كرديا محترقا في الشارع التجاري المؤدي إلى منطقة سوق القيسيريات. أضاف أنه شاهد ميليشيا تركمانية تقتحم وتحرق منزل جاره الكردي، الذي كان خارجه في ذلك الوقت.
مقاتلو قوات الحشد الشعبي وغيرهم من التركمان المسلحين أحرقوا متاجر كردية في إحدى أهم مناطق السوق في المدينة. دمروا على الأقل 50 مبنى للأكراد، معظمها محلات تجارية، وفقا لشاهد عيان زار المنطقة. كما ورد في إحدى وسائل الإعلام رواية تتحدث عن حرق المتاجر والمنازل الكردية. تحدث صحفي لـ هيومن رايتس ووتش عن هجمات الحرق العمد.
في 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني، جاء أكراد مسلحون، يرتدي بعضهم زي البيشمركة، في سيارات البيشمركة، وكان رجل واحد على الأقل يحمل زيه العسكري شعار “حزب العمال الكردستاني” ومقره تركيا، ونهبوا وأحرقوا على الأقل 80 منزلا ومتجرا تركمانية، وفقا للعديد من السكان التركمان. قدر شهود آخرون العدد الإجمالي للمتاجر والمنازل التي أحرقت في الجانبين بأكثر من 400.
قال شاب تركماني إنه في ليل 12 نوفمبر/تشرين الثاني: “جاء رجال مسلحون يرتدون بزات عسكرية خضراء إلى منزلي. أحدهم كان يرتدي زيا يحمل شارة حزب العمال الكردستاني. ضربونا ثم سرقوا أشياء من منزلنا. وفي الخارج، أضرموا النار في سيارتنا”.
قال أحد السكان التركمان، وهو في أواخر الأربعينيات، إن أكثر من 10 مسلحين، بعضهم يرتدي الملابس التقليدية الكردية وبعضهم يرتدي زي قوات البيشمركة، جاؤوا إلى منزله في تلك الليلة يطلبون مفتاح سطح المنزل. رفض وغادر مع عائلته. قال إنه عندما عاد بعد ظهر اليوم التالي، كان منزله قد أُحرق، وفقد معدات تصوير فوتوغرافي باهظة الثمن. كما رأى 7 مسلحين ينهبون ثم يحرقون منزل جاره.
قال شاب تركماني آخر إنه ظهر 13 نوفمبر/تشرين الثاني، جاء رجال يتحدثون الكردية ويحملون بنادق إلى منزله. أضاف: “نهبوه، ثم أحرقوه بالكامل. فقدت كل ما عندي من الوثائق والملابس، حتى وثيقة الزواج”. قال أحد التركمان إن حشودا كردية دمرت منزله ومنزل ابنه ومتجره في البلدة في الصباح الباكر يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
قال مقيم تركماني آخر يدعى إبراهيم (اسم مستعار) إنه في صباح 13 نوفمبر/تشرين الثاني، سمع إطلاق نار كثيف في الخارج، فأخذ أولاده وبناته الأربع إلى غرفة داخلية آمنة في شقته. أضاف أنه عندما نظر إلى الخارج، رأى نحو 50 رجلا يتحدثون الكردية مسلحين ببنادق آلية ويرتدون السراويل الكردية المميزة، تقف وراءهم عربتان عسكريتان من نوع “هامر” ترفعان العلم الكردي، بداخلهما رجال يرتدون زي قوات البيشمركة. قال إبراهيم إن الرجال الأكراد دخلوا المنازل واحدا تلو الآخر، وهم يحرقون لافتات دينية شيعية. أضاف أنه هرب مع عائلته. بعد ظهر ذلك اليوم، اتصل به أحد الجيران ليخبره بحرق 3 منازل في الشارع؛ هي منزله، ومنزل إبراهيم، ومنزل جار ثالث.
اختطاف واعتقالات الجماعية للأكراد والتركمان الشيعة بعد 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2015
تبادلت جماعات مسلحة كردية وتركمانية اختطاف سكان من طائفتيهما. قال زعيم عشائري عربي إنه في يوميّ 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني اعتقل مسلحون تركمان تعسفيا 56 من الأكراد والعرب، معظمهم “من ورش عمل على قناة شاي المائية ومن داخل طوز”. قال قائمقام البلدة إن المقاتلين التركمان مع قوات الحشد الشعبي أخذوا شرطيا وحارسين من المستشفى، لكن أطلقوا سراحهم في وقت لاحق. أضاف أن مسلحين من الجانبين خطفوا الناس من المدينة. قال ساكن تركماني:
في الساعة 2:30 بعد ظهر الجمعة [13 نوفمبر/تشرين الثاني]، رأيت نحو 7 مسلحين جاؤوا في سيارتي لاند كروزر وبدؤوا إطلاق النار على منزل جارنا. نهبوا المنزل وأخذوا الأب، حتى إن ابنته ارتمت على الأرض أمامهم؛ ترجوهم ألا يأخذوه. لم أرهم لأعرف من هم بالضبط، لكني سمعت صياحهم بالكردية.
قال أحد السكان في أواخر الأربعينيات من عمره إن زوجة صديقه جودت زين العابدين عباس، مدرس اللغة العربية، أخبرته أنه في 12 نوفمبر/تشرين الثاني دخل منزلهما 3 رجال يرتدون زيا مموها يتحدثون الكردية، وأطلقوا بعض الطلقات في الجدران، وأخذوا عباس بعيدا. بعد ذلك حرقوا بيته و8 منازل أخرى. أكد جار لعباس هذه الرواية، وقال إن عباس ما زال مفقودا حتى 7 يناير/كانون الثاني 2016.
قال قائمقام البلدة، ومسؤول الاتحاد الوطني الكوردستاني، وصديق عباس إنه من بين عشرات المختطفين من الجانبين. لم يُطلق سراح 3 أكراد وعباس. قال مسؤول الاتحاد الوطني الكوردستاني إن الأكراد المفقودين اختطفوا وهم يقودون على الطريق إلى طوز خورماتو، وليس داخل المدينة. ما زال الأكراد والتركماني في عداد المفقودين حتى 7 يناير/كانون الثاني 2016.
الاعتقالات التعسفية وجرائم القتل والابتزاز والتعذيب للعرب بعد 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015
قوات الحشد الشعبية التركمانية مسؤولة عن موجة جديدة من الاعتقالات التعسفية للسكان العرب في أواخر أكتوبر/تشرين الاول. في 22 أكتوبر/تشرين الأول – قبل يوم واحد من احتفالات الشيعة بيوم عاشوراء، التي تحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين، حفيد النبي محمد، في العام 680 الميلادي – نصب الشيعة التركمان المقيمون في طوز خورماتو خيمة العزاء التقليدية في الشوارع لاستيعاب الحشود الكبيرة.
بعد وقت قصير من ظهر يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، وقع انفجار. قال شرطي لزعيم عشائري عربي إنه في غضون دقائق رأى عدة شاحنات صغيرة ممتلئة بمقاتلين من قوات الحشد الشعبي تسير في اتجاهات شتى في الأحياء العربية.
نقلت تقارير إخبارية عن قائمقام الطوز عبدول أن الانفجار أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 36. قال 3 سكان لـ هيومن رايتس ووتش إن شخصين – كردي وعربي- توفيا، وأصيب 18 بجروح عندما انفجرت سيارة محملة بالمتفجرات على بعد نحو 20 مترا من مسجد الشهداء السني.
قدم سكان عديدون أرقاما أولية متفاوتة على نطاق واسع لعدد المعتقلين من العرب السنة على يد قوات الحشد الشعبي، لكنهم قالوا جميعا إن العدد أكثر من 150 وربما يبلغ بضع مئات. قال قائمقام البلدة عبدول إن أعدادا كبيرة من العرب السنة اعتقلوا وأن 40 ما زالوا مفقودين حتى أوائل ديسمبر/كانون الثاني. قال محمد مهدي البياتي، وهو زعيم تركماني من فيلق بدر ضمن قوات الحشد الشعبي، إن قواته اعتقلت 16 فقط من العرب وسلمتهم إلى الشرطة وصدر بحقهم مذكرات اعتقال واضحة. أضاف أنه لا يعرف مكان وجودهم الحالي. في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، قال محام عربي من طوز يحتفظ بقائمة تضم أسماء المعتقلين تعسفيا إن مكان 54 عربيا أخذتهم قوات الحشد الشعبي ما زال غير معروف. أُفرج عن 6 خلال الأسبوع السابق.
وصف أحد المفرج عنهم اختطافه. قال إنه وشخص آخر احتجزا في قرية بين طوز خورماتو وآمرلي لأكثر من 3 أسابيع في أحد المباني القليلة الباقية. كانا مقيدين بشكل مستمر، لم يُمكَّنا من الوصول إلى المرحاض، وحُرما من الطعام. أضاف أن خاطفيه اعتادوا ضربه.
قال أحد المقيمين العرب في طوز إنه في الأيام التي أعقبت تفجير 22 أكتوبر/تشرين الأول، جاء إلى شارعه شاحنتان صغيرتان من طراز تويوتا ترفعان شعارات فيلق بدر، واستهدفتا منزلين للسنة، إذ قُبض على أمير محمد إسماعيل (26 عاما) وهو طالب، وأشقائه من منزل واحد. أضاف أنه سمع أن 4 رجال أُخذوا من منزل آخر:
بعد يوم أو يومين، أُفرج عن شقيقين من بيت إسماعيل. حزما أغراضهما وغادرا على الفور. في اليوم التالي، عُثر في الشارع على جثتي رجلين أُخذا من شارعنا في حي الصناعية. أخذت الشرطة الجثتين إلى المستشفى. قال قريبي الذي يعمل هناك، إنه سمع أنهما توفيا متأثرين بجروح أعيرة نارية. جاءت الأسرة، بعد فترة وجيزة، من كركوك لتتعرف عليهما.
كما عُثر على شخص آخر ميتا بعد يوم من الانفجار يدعى غازي ناصر الدين، في الأربعينيات، وهو شرطي سابق. رأيت جمعا لناس حول جثة في حديقة عامة يقولون إنه قتل بالرصاص. لدي أقارب من رجال الشرطة قالوا إنهم علموا فيما بعد أنه غازي.
قال المقيم العربي إنه بعد الانفجار بيوم أو يومين، رأى نحو 50 من العرب السنة أُطلق سراحهم. لكنه قال إن أحد جيرانه التركمان، وله ابن في قوات الحشد الشعبي، أخبره أن آخرين لا يزالون محتجزين، ونُقل بعضهم إلى معسكر أشرف، قرب بغداد.
قال أحد المفرج عنهم إن مقاتلي الحشد الشعبي احتجزوه يومين مع آخرين سواء في طوز خورماتو أو في مكان قريب منها.
مقيم عربي آخر أفرج عنه بعد فترة وجيزة من اختطافه على يد الحشد الشعبي يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، قال:
جاءت ميليشيا إلى بيتي وأخذوني أنا وإخوتي وتوجهوا بنا إلى مبنى من 3 طوابق ليس بعيدا جدا. سمعت صراخا في أجزاء أخرى من المبنى وطلق ناري. رجال الميليشيا أهانوني وضربوني. أطلقوا سراحي أنا وإخوتي صباح 24 أكتوبر/تشرين الأول، فحزمنا أغراضنا وغادرنا طوز على الفور.
قال المحامي من طوز الذي احتفظ بقائمة للمخطوفين المزعومين إن 24 عربيا عُثر عليهم ميتين داخل طوز، أكثر بطلق ناري، وألقيت جثثهم في مواقع القمامة. قال قائمقام البلدة عبدول إنه عُثر على جثث 8 قتلى في المدينة وضواحيها. لكن البياتي، زعيم الميليشيا، لم يعترف بأي حالة وفاة.
قال شخص واحد إن مقاتلي الحشد الشعبية ابتزوا عائلته ماليا مقابل حريته. أضاف أنه بعد احتجازه لأكثر من 25 يوما وتعرضه للضرب بأنابيب من الصلب، لم يُطلق سراحه إلا بعد أن دفع أفراد عائلته وعشيرته عشرات الآلاف من الدولارات. قال المحامي العربي وزعيم العشيرة العربي إن كثيرين من أسر نحو 50 مُختَطفا تلقوا مطالب بفدية، وكانت هناك حالات أخرى طالبت فيها قوات الحشد الشعبي بالفدية قبل انفجار 22 أكتوبر/تشرين الأول.
صحفي من العرب السنة من طوز خورماتو قال إن مقاتلي الحشد الشعبي حاولوا القبض عليه في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد نحو 10 أيام من الانفجار والاعتقالات الجماعية:
كنت في منزل شقيقتي في الحي العسكري مع صديق. نحو الساعة 10 صباحا جاءت شاحنة تويوتا تقل 6 رجال يرتدون زيا أسود ويحملون بنادق آلية ومسدسات، وجاء آخرون في سيارة أجرة. ذهبوا إلى بيتي المجاور، وضربوا والدي وقريباتي، يسألون عني بالاسم. ثم جاؤوا إلى منزل شقيقتي. هربت إلى السطح، ومنه إلى منزل جاري حيث خرجت من الجزء الخلفي.
قال إنه عندما عاد أخبرته عائلته أن قوات الحشد الشعبي قبضت على ابن عمه أحمد (17 عاما). في نهاية المطاف، أفرجت قوات الحشد الشعبي عن أحمد الذي أخبر الصحفي أنهم احتجزوه لساعات، وضربوه بقسوة، وهددوا بقتله ما لم يسلم الصحفي نفسه. لكن الصحفي غادر إلى كركوك في اليوم نفسه. أوضح الصحفي أنه كان مطلوبا لأنه عمل سابقا في وسائل إعلام موالية للعرب السنة.
الاعتقالات الجماعية وجرائم القتل والتعذيب دفعت العديد من الأسر العربية إلى مغادرة طوز خورماتو، ومعظمها اتجه نحو كركوك. قال زعيم عشائري عربي إن نحو 3000 أسرة عربية غادرت البلدة ولم يبق فيها إلا نحو 80 أسرة عربية.
عمليات اختطاف العرب في 2014 و2015
رغم أن الاعتقالات الجماعية والقتل عقب تفجير 22 أكتوبر/تشرين الأول كانت على نطاق غير مسبوق في طوز خورماتو، عرض المحامي المحلي على هيومن رايتس ووتش قائمة تضم أسماء 408 من العرب من البلدة قال إنهم قتلوا، و145 آخرين- منهم طفل (9 سنوات)- اختطفوا أو اعتقلوا تعسفيا بين سبتمبر/ايلول 2014 وأكتوبر/تشرين الثاني 2015 وما زالوا في عداد المفقودين. لم يتسن لـ هيومن رايتس ووتش تأكيد هذه الحالات.
أحد هؤلاء المختفين زين العابدين حسن البياتي مدير فرع مديرية الجنسية بوزارة الداخلية، التي تصدر وثائق الهوية. قال المحامي إنه في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، كان البياتي يقود سيارته من طوز إلى الدجيل شمال بغداد، حيث نُقلت مديرية الجنسية في محافظة صلاح الدين بعد سيطرة داعش على تكريت عاصمة المحافظة. قال المحامي إن البياتي احتاج إلى شهادات جنسية وبطاقات هوية فارغة جديدة. عاد البياتي برفقة حواص هيلان من المديرية و2 من رجال الشرطة، مع البطاقات والشهادات، لكن مقاتلي قوات الحشد الشعبي في نقطة تفتيش قرب آمرلي لم يسمحوا له بالمرور. اتصل البياتي بالمحامي من هناك، ثم اتصل به مرة أخرى بعد 3 أيام قائلا إن المقاتلين أخذوهم كلهم إلى آمرلي. كانت هذه آخر مرة تسمع فيها الأسرة عنه هو ومن كانوا معه.
قال مقيم عربي آخر في طوز إنه هرب الى كركوك أواخر يونيو/حزيران 2014 بعد أن هدده رجال يدعون أنهم ينتمون لقوات الحشد الشعبي عبر الهاتف قائلين “لا مكان للعرب السنة في طوز”. أضاف أنه واصل التنقل بين كركوك وطوز للعمل لبعض الوقت قبل أن يتوقف بعد تلقيه المزيد من التهديدات.
قال الصحفي الذي هرب من قوات الحشد الشعبي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني إنه في ربيع 2015، اختطف مجهولون ابن عمه وهو يقود سيارته من سليمان بيك، الخاضعة لسيطرة قوات الحشد الشعبي، واقتاده خاطفوه إلى منطقة حول قرية آمرلي. أضاف الصحفي أنه بعد يومين أو 3 أيام، طلب متصل من والد ابن عمه مبلغ 30 ألف دولار. اتفقا على 20 ألف دولار وحددا موعدا على الطريق إلى قرية آمرلي وسلم المال لرجل ينتظر هناك. طلب منهما هذا الرجل الانتظار 3 ساعات وألا يتحركا، لأنهما سيكونان مراقبيْن، لكن الرجل اختفى، وأغلق هاتفه ولم يسمعا عنه أي شيء مرة أخرى. أكد والد ابن العم المختطف لـ هيومن رايتس ووتش أن ابنه لا يزال في عداد المفقودين.
لا مساءلة عن عمليات القتل وغيرها من الانتهاكات
لم ينم إلى علم هيومن رايتس ووتش أن أيـَّا من أفراد الجماعات المسلحة أو غيرها من المتورطين في الجرائم العرقية، على ما يبدو، قد قُدِّم إلى العدالة.
قضية محمد مرشد شكور (42 عاما) وهو مهندس ري عربي، مثال للإفلات من العقاب على نطاق واسع. قال أحد أقارب شكور لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما جاء داعش، هربت أسرهم من قريتهم، البوحسن، بين طوز خورماتو وآمرلي. ذهبوا إلى طوز، لكنهم اضطروا إلى مغادرتها إلى كركوك حين هددهم مقاتلو قوات الحشد الشعبي. واصل شكور الذهاب إلى عمله في طوز، كما قال القريب، لكنه طلب إجازة في بداية 2015 لأنه لم يعد يشعر بالأمان. اعتقل أحد أشقائه، ويعمل شرطيا، في كركوك دون تهمة أو محاكمة منذ 14 يناير/كانون الثاني، بعد أن اشتبهت قوات الحشد الشعبي بتعاطفه مع داعش.
عاد شكور إلى طوز يوم 15 مارس/آذار، استجابة لطلب من رئيسه. قال قريبه إنه في 16 مارس/آذار، اتصل بابنه وأبلغه أن 4 رجال ملثمين في سيارة دون لوحة كانوا يتبعونه. عندما حاول الرجال الإمساك بشكور بعد توقف سيارته، قال إنه قاومهم وركض إلى داخل المبنى الذي يضم مكتبه، وفقا لسجلات الشرطة.
طارد المسلحون الملثمون شكور وبعد أن حاصروه، أردوه قتيلا. أفاد تقرير الشرطة أن 4 حراس مسلحين من قوة حماية المنشآت في منطقة مجاورة أخفقوا في منع القتل. على الرغم من أن قاضيا في طوز خورماتو أمر “الشرطة ببذل الجهود لتقديم الجناة إلى العدالة” بتهمة القتل، لم يشهد أي شاهد ولا حتى حراس قوة حماية المنشآت، بل إن الشرطة لم تستدعهم.
أخبر صحفي من طوز خورماتو هيومن رايتس ووتش بحالة نموذجية أخرى للإفلات من العقاب. يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول نحو الساعة 3:30 بعد الظهر قتل شابان، على دراجة نارية، سعد عبد الله (25 عاما) بالرصاص وهو يقود سيارته في حي الإمام أحمد. وصل الصحفي إلى موقع الحادث بعد 30 دقيقة من إطلاق الرصاص وسمع روايات شهود. بوصوله مات عبد الله، جراء 3 رصاصات في الخد الأيسر والرقبة والذراع. قال الصحفي لـ هيومن رايتس ووتش: “لم يجر أي تحقيق. لم يعلن أحد مسؤوليته عن القتل. على عكس كوني صحفيا، لا أستطيع أن أفكر في أي سبب لاستهدافه سوى أنه سني”.
بخصوص الاعتقالات الجماعية بعد 22 أكتوبر/تشرين الأول، وأعمال القتل والحرق بعد 12 نوفمبر/تشرين الثاني، قال القائم قام عبدول: “من الصعب جدا، في الوقت الحالي، التحقيق مع الناس ومحاسبتهم”.