مرحلة ما بعد “داعش” في الأنبار: غياب التّفاهمات والخطط ومخاوف من نزاعات عشائريّة وسياسيّة
عمر ستار – المونيتر
بغداد – رغم تحرير مدينة الرماديّ في 28 كانون الاول (ديسمبر) الماضي وتقدّم قوّات الأمن العراقيّة، ترافقها قوّات “الحشد العشائريّ” والتي تتبع تنظيميا لقوات الحشد الشعبي باتّجاه بقيّة مدن محافظة الأنبار الّتي يسيطر عليها تنظيم “داعش” منذ أيّار/مايو من عام 2015، إلاّ أنّ المخاوف من تنامي صراعات سياسيّة وعشائريّة بينهم على خلفيّة ما حصل من انقسام حادّ بين أبناء المحافظة، جعلت أطرافاً سياسيّة تحذّر من مغبّة تحرير المدن من دون وضع الخطط لمرحلة ما بعد العمليّات العسكريّة. والحال، هناك مشكلات إضافيّة ملحّة، يستدعي حلّها بناء تفاهمات وإتّفاقات سياسيّة بين القوى الفاعلة والمتمثلة بالعشائر والاحزاب النافذة، مثل مستقبل متطوّعي أبناء العشائر وإعمار المحافظة، وإعادة النّازحين. وعلى عكس هذا التّقدير، نجد أنّ الصراعات السياسيّة بدأت تباشيرها منذ الآن، فعضو الحكومة المحليّة في الأنبار مزهر الملاّ قال لـ”المونيتور”: “بعض الكتل السياسيّة يحاول الاصطياد في الماء العكر من خلال المطالبة بحلّ مجلس المحافظة في الانبار رغبة منه في الحصول على مناصب فشل في الحصول عليها في الإنتخابات” ومن ثم الدعوة الى انتخابات محلية مبكرة لمجلس مجافظة الانبار.
وهذا الكلام يشير إلى محاولات نوّاب من كتلة “الوفاء للأنبار”، الّتي يتزعّمها المحافظ الأسبق ووزير الكهرباء الحاليّ قاسم الفهداوي، إقالة المحافظ الجديد صهيب الراوي، بل إنّ نواباً في البرلمان العراقيّ عن الأنبار عدّوا مجلس المحافظة غير مؤهّل للقيام بإعادة الإعمار وإعادة النازحين”، وطالبوا رئيس الوزراء حيدر العبادي باتّخاذ قرار بحلّ المجلس، وأكّد مزهر الملاّ لـ”المونيتور” أنّ رئيس الحكومة المركزيّة “لا يملك الحقّ القانونيّ بحلّ مجلس محافظة الانبار”، وقال: “في ظلّ غياب الدور الرقابيّ للمجلس وعدم وجود موازنة ماليّة، فإنّ المطالبة بالحلّ غير واقعيّة”.
أضاف: “هناك مشكلات وتحدّيات كبيرة لمرحلة ما بعد تحرير الأنبار من سيطرة داعش ينبغي للجميع الإهتمام بها، وإعطاؤها الأولويّة، وفي مقدّمتها الإعمار وإعادة النّازحين”.
وتابع: “بحسب تقديرات الحكومة المحلية في الانبار، فإنّ المحافظة قد دمّرت بنسبة 80 في المئة، ممّا يعيق إعادة النّازحين إلى ديارهم، فضلاً عن وجود مخاطر في الطرق المؤدّية إلى المحافظة بسبب انتشار المليشيات والعصابات المسلّحة الّتي قد تستهدف العائدين”.
وأكّد الملاّ أنّ حكومة الأنبار تخطّط لإعادة رسم التّصميم الأساس للمحافظة على نحو جديد مختلف عن السابق، في انتظار ما سيقدّمه المانحون والحكومة المركزيّة من مخصّصات ماليّة”.
وكان النائب عن محافظة الأنبار حامد المطلك قد دعا إلى إجراء إنتخابات مبكرة في الأنبار “وتشكيل حكومة محليّة جديدة ومنع المفسدين تولّي المسؤوليّة”، وقال في اتّصال مع “المونتيور”: “ما حدث في الأنبار من انهيار أمنيّ العام الماضي واحتلالها من قبل تنظيم داعش تتحمّل مسؤوليّته أطراف عدّة، وفي مقدّمتها الحكومة المحليّة ، ولا بدّ من وجود محاسبة”.
ومنذ عام 2003، انقسمت عشائر الأنبار في ما بينها، فبعضها يؤيّد الحكومة المركزيّة ويتعامل معها، وبعضها الآخر يناصب العداء لمجمل العمليّة السياسيّة في العراق. وإزاء المواقف في شأن “داعش” وقبله “القاعدة”، نرى من يتّهم أبناء عشائر معيّنة باحتضان المتطرّفين أو الانخراط في صفوفهم والقيام بتصفيات للعشائر المناصرة للقوّات العراقيّة، كما حصل في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2014 في “مذبحة ألبو نمر الشهيرة” والتي راح ضحيتها اكثر من 500 فردا من ابناء عشيرة البو نمر على يد تنظيم “داعش”، وتحدّث رئيس مجلس عشائر الأنبار الشيخ رافع الفهداوي إلى “المونتيور” عن تصوّرات المجلس لمستقبل مسلّحي أبناء العشائر فقال: “عشائر الأنبار بمعظمها اتّفقت على البراء من كلّ أبنائها المنتمين إلى داعش وقامت بهدر دمائهم، ثمّ فإنّ عمليّات الثأر والإنتقام ستكون مدانة من قبل الجميع”.
أضاف: “المحافظة لا تحتاج إلى مصالحة في الوقت الحاليّ، لكنّنا نخشى من الصراعات السياسيّة الّتي تريد المزايدة وسرقة النصر وتقاسم كعكة الإعمار”.
وتابع رافع الفهداوي: “المشكلة الحقيقيّة الّتي ستعقب الإنتهاء من عمليّات التّحرير هي كيفيّة حفظ الأمن في المحافظة، نظراً لأنّها محافظة شاسعة المساحة وتقع على الحدود الغربيّة للعراق”.
وأردف: “لا بدّ من الإبقاء على الحشد العشائريّ تحت أيّ صيغة كانت سواء ضمن هيئة الحشد الشعبيّ أو تحويله إلى حرس وطنيّ للأنبار، لكنّ قانون الحرس الوطنيّ لا يزال معلّقاً في مجلس النوّاب العراقيّ حتّى الآن”.
وبدات الحكومة العراقية بمساعدة خبراء من القوات الاميركية بتدريب ابناء العشائر في الانبار صيف العام الماضي واعلن تشكيل ما يعرف بالحشد العشائري في ايلول (ديسمبر) من نفس العام لمقاتلة تنظيم “داعش” الى جانب القوات العراقية الرسمية.
وأبدى الفهداوي خشيته من تكرار سيناريو “الصحوات” الّتي “عانت من الإهمال، وجرى تحويل أغلب عناصرها إلى وظائف مدنيّة. وبالتّالي، فقدت المحافظة العناصر الحقيقيّة القادرة على حفظ الأمن”، وقال: “لا نمانع من تعاون دوليّ لحماية أمن الأنبار، لكنّه سيكون موقّتاً، فعلى المدى الطويل لن يحمي المحافظة إلاّ أبناء العشائر”.
ويقدّر عدد المقاتلين من أبناء الرماديّ بأكثر من 10 آلاف عنصر قامت الحكومة المركزيّة بتجهيزهم بالمعدّات والسلاح، وتولّت وحدات أميركيّة خاصّة تدريبهم طوال الفترة الماضية. وتشابه تجربة “الحشد العشائريّ”، الّذي يقاتل تنظيم “داعش” في المدن السنيّة إلى حدّ كبير تجربة “الصحوات” الّتي قاتلت تنظيم “القاعدة” في السابق، قبل أن يتحولّ بعضها إلى تنظيمات سياسيّة شاركت في الإنتخابات العامّة والمحليّة، ووزّعت الحكومة المركزيّة الكثير منها على وزارات مدنيّة وخدميّة.