تتجاوزها عشرات العائلات يومياً: «العِبْرة»: مغامرة موت يخوضها أهالي الفلوجة للخلاص من داعش
كمال العياش – نقاش
مثل باقي المناطق التي تخضع لسيطرة داعش يحاول أهالي الفلوجة التسلل خارج مدينتهم الصغيرة فراراً من موت محقق أو من جحيم عيش لا يطاق ولذلك هم يسلكون طريقاً لا يقل خطورة عن مدينتهم بل ربما يفوقها خطراً.
“العِبرة” بكسر العين كلمة قد لا نسمع بها كل يوم إلا أنها تمثل لأهالي قضاء الفلوجة بوابة الخلاص من عناصر “داعش” والنجاة من العمليات العسكرية الدائرة بين الطرفين لاسيما وأنها أصبحت المنفذ الوحيد إلى بر الأمان.
تقع منطقة “العبرة” في ناحية الصقلاوية – قرية البوشجل (10 كلم) شمال غرب الفلوجة، والوصول إليها ليس بالامر السهل بحسب بعض العائلات التي نجحت بالهروب بعد محاولات عدة فاشلة.
حامد ابو زياد يصف رحلته بالمغامرة الخطرة والتي عرض فيها نفسه وعائلته المكونة من سبعة افراد الى موت محقق.
ويقول “بعدما أصبحت الحياة مستحيلة في مدينة الفلوجة اتخذت قرار الهروب وبالتنسيق مع بعض الأشخاص تمكنت من الوصول إلى المنطقة التي أصبحت مؤخرا هدفا لداعش والقوات الأمنية فهي بمثابة ارض حرام، قضيت أياما اختبئ في بساتين البوشجل ومعي عدد من العائلات الهاربة أيضاً، كل دقيقة كانت تمر علينا نشاهد فيها كوابيس عديدة بسبب القصف المدفعي للمنطقة ونحن ننتظر الفرصة المناسبة لنتمكن من العبور إلى الضفة الأخرى التي لا تقل خطورة عن المكان الذي كنا فيه إلا أنها خطوة باتجاه بر الأمان”.
ويضيف “تلك الليلة التي تمكنت بها من تجاوز منطقة العبرة كانت بمثابة حلم يراودني طيلة عامين فعبور مشروع الثرثار الذي لا يتجاوز عرضه (200) متر هو المرحلة الأخطر في طريق الرحلة التي استمرت تسعة أيام حتى وصلت إلى بغداد”.
عشرات العائلات تغادر يوميا عبر مشروع الثرثار “العبرة” لكن لا تتوفر احصائية رسمية بسبب صعوبة الوصول ورصد الحركة اليومية، فيما يؤكد بعض سكان المناطق القريبة أن منطقة العبور من الموت لم تعد كما كانت منذ ان بدأت عمليات التحرير في جزيرة الخالدية مطلع اذار (مارس)2016 إذ أصبح الوصول اليها او عبورها ضربا من الخيال بسبب العمليات العسكرية التي بدأت تضيّق الخناق حول الفلوجة.
هاشم أبو احمد رجل في عقده السادس علق في المدينة بعد زيارة الى ابنته التي فقدت زوجها وابنتيها بسبب تعرض السيارة التي كانت تقلهم إلى منطقة النجاة للقصف المدفعي ولم يتمكن من الخروج مع ابنته وولدها الصغير إلا بعد ثلاثة أشهر.
يقول ابو احمد “حاولت أن اجد طريقاً بديلا للخروج لكنني لم انجح فلم أجد أمامي سوى الطريق الذي يسلكه الآخرون رغم انه يشكل خطرا حقيقيا لاسيما اني فقدت صهري وأحفادي قبل أشهر في المكان ذاته”.
ويضيف “ما شاهدته في منطقة العبرة لا يختلف كثيرا عما سمعناه عن معاناة المهاجرين إلى أوربا، فالعائلات تصعد في قارب يسير بطريقة سحب الحبل المربوط على ضفتي المشروع وهو لا ينقل اكثر من عشرة أشخاص في أفضل الأحوال وفي أحيان عدة يجبرهم عناصر داعش المتواجدون في الضفة الأخرى في جزيرة الخالدية على العودة”.
ولاستثمار الوقت هناك أشخاص يضعون عائلاتهم في قارب ويقومون بالسباحة خلفه، ومن يمتلكون الحظ هم وحدهم من يتمكنون من النجاة ومنهم ابو احمد وابنته وحفيده.
“العبرة” هي المرحلة الأولى في طريق النجاة المتكون من أربعة مناطق مهمة وبعدها لابد من عبور منطقة “علي الحاتم” في مدينة الرمادي ومن ثم “سيطرة الرزازة” وختامها “جسر بزيبز” فالعائلات تتجاوز كل هذه المراحل بأساليب وحجج معظمها باتت معروفة لدى القوات الأمنية وتنظيم داعش.
مازن الحلبوسي احد العاملين في مستشفى الفلوجة بأجور يومية نجح مؤخرا في الهروب من مدينة الفلوجة وتجاوز كل المخاطر التي كانت تعترضه حتى وصل إلى العاصمة بغداد ومن ثم هاجر إلى أوربا.
الحلبوسي الذي اتصل به مراسل “نقاش” للحديث عن الموضوع يقول ان “الرحلة من تركيا الى أوربا اسهل بكثير من الرحلة التي قضيت فيها ثلاثة عشر يوما وأنا أحاول تجنب الموت داخل بلدي اما الى أوربا فكأنني كنت في نزهة وكنت أقوم بتصوير المشاهد التي تصادفني من الطبيعة والمواقف الجميلة حتى البحر وأمواجه لم يشعراني بالخوف ربما لأنني واجهت الموت مسبقاً أثناء رحلتي من مدينتي باتجاه بغداد”.
منطقة “العبرة” مقسمة إلى ثلاث مناطق الأولى لنقل الأشخاص والثانية لنقل الماشية والعبرة الثالثة هي لنقل المواد الغذائية وكلها مستهدفة من قبل داعش الذي يحاول إحكام سيطرته على مداخل المدينة ومخارجها لمنع العائلات من مغادرتها، وفي الوقت ذاته مستهدفة من القوات الأمنية التي تسعى الى تضييق الخناق على مناطق تواجد التنظيم المتشدد.