هل هناك دور للأقليّات في المصالحة الوطنيّة في العراق؟
بغداد – المونيتر
بقلم: سعد سلوم
تواجه وثيقة التّسوية الوطنيّة، التي طرحت مشروعاً للمصالحة الوطنيّة، صعوبات تهدّد جديّة المشروع وإمكانيّة تحقّقه، وذلك بسبب انغلاقها في وسط النّخب السياسيّة للجماعات الكبرى من السنّة والشيعة والأكراد، وعدم شمولها رؤى المجتمع المدنيّ والأقليّات العرقيّة والدينيّة.
وفي ظلّ خطاب تسوية يتبنّى مقاربة ممثّلي الجماعات الكبرى الثلاث ويهمل أصوات الأقليّات، يلخّص رئيس كتلة الرافدين في البرلمان الإتحاديّ النائب يونادم كنّا لـ”المونيتور” اعتراضه على وثيقة التّسوية في صيغة التّساؤل الآتي: “هل هناك صوت للمسيحيّين ولبقيّة الأقليّات في صياغة أو حتّى التّفاوض في شأن أيّ تسوية وطنيّة؟”. وقال: “يمكن أن نلاحظ أيضاً أنّ أيّ عمليّة تسوية سياسيّة تتمّ دائماً بين الكبار من الجماعات الإثنيّة وتكون ضامنة لمصالحهم، في حين تتمّ التضحية بمصالح الأقليّات”.
وأعطى يونادم كنّا مثالاً على ذلك بعدم نصّ وثيقة التّسوية الوطنيّة على إتّفاق أو بند يتعلّقان بمصير مناطق الأقليّات المتنازع عليها بين الأكراد والعرب، مثل سنجار بالنّسبة إلى الإيزيديّين وتلعفر بالنّسبة إلى التّركمان وسهل نينوى بالنّسبة إلى المسيحيّين والشبك، وقال: “انعدم صوت الأقليّات ومصيرها في التّسوية، ولا مكان فيها للمسيحيّين أو الإيزيديّين وغيرهم من الجماعات الأصغر حجماً، والأقلّ تأثيراً”.
وكان قد انتقد كنّا سابقاً مشاريع المصالحة الوطنيّة المطروحة من قبل المكوّنات الكبرى بسبب عدم تقديمها ضمانات واضحة لتقديم المجرمين الذين ارتكبوا مجازر بحقّ الأقليّات من الإيزيديّين والمسيحيّين وغيرهم إلى العدالة.
ويشارك الشارع المدنيّ العراقيّ ممثّلي الأقليّات قلقهم تجاه مشروع التّسوية، الذي يتضمّن إعادة توزيع للسلطة وامتيازاتها بين القادة السياسيّين للمكوّنات الثلاثة، في إعادة إنتاج النّظام الطائفيّ خلال عام 2003.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة جمعيّة الأمل العراقيّة هناء أدور: من الصعوبة في مكان إنتاج تسوية وطنيّة من قبل نخب سياسيّة هي جزء من المشكلة وتتّصف بالفساد وتتصارع على السلطة، وإنّ أيّ تصوّر للمصالحة ينبغي أن يصدر من قوى عابرة للطائفيّة مثل قوى المجتمع المدنيّ، التي لا مصلحة مباشرة لها في السلطة أو تخوض صراعاً من أجلها، أو الأقليّات التي تفتقر إلى الحماية أو المشاركة السياسيّة الفاعلة.
وفي السياق ذاته، تركّزت الاعتراضات الأخرى على تغييب التّسوية أصوات قطاعات واسعة من المجتمع العراقيّ وعدم إشراكها في بلورة رؤية الوثيقة، أو تهميش أطراف ترى التّسوية عمليّة شاملة يجب أن تضمّ كلّ الأطراف وتتضمّن إتّفاقاً على رؤية جوهريّة على الأقلّ.
وعلى سبيل المثال، سجّل رئيس لجنة المصالحة الوطنيّة في البرلمان العراقيّ هشام السهيل اعتراضه على عدم إشراك اللّجنة في صياغة وثيقة التّسوية الوطنيّة، وقال لـ”المونيتور”: “دُعينا إلى إجتماع للتّحالف الوطنيّ، وتمّت قراءة المسودّة فيه وطرحت للتصويت، ولم يكن لنا دور في صياغتها”.
ورأى أنّ “نقطة الضعف الأساسيّة للوثيقة تتمثّل في إعلانها باسم التّحالف الوطنيّ، وكان يفترض إجراء لقاءات بين ممثّلي الشيعة والسنّة تتضمّن حواراً صريحاً وشجاعاً، وأن تصدر الوثيقة نتيجة هذا اللّقاء والحوار، لكنّ إعلانها من قبل التّحالف الوطنيّ أظهرها بوصفها رؤية شيعيّة ستكون في مواجهتها رؤية سنيّة تختلف عنها شكلاً ومضموناً، وربّما رؤية كرديّة مضادّة في ما بعد”.
كما تحدّث هشام السهيل عن أهميّة إشراك القوى الإجتماعيّة غير الرسميّة مثل العشائر، التي هي بفعل طبيعة بنائها الإجتماعيّ عابرة لخطوط الانقسام الطائفيّة، وأعطى مثالاً عن عشيرته “آل تميم” التي تتكوّن من أفراد متنوّعين من الشيعة والسنّة، ومن دون إشراك هذه القوى الإجتماعيّة التقليديّة، كما رأى السهيل، فإنّ المصالحة ستختزل بمجرّد تسوية سياسيّة من أعلى، ولن تتحوّل إلى عمليّة شاملة تشمل المجتمع أيضاً، ثمّ تصل بالمجتمع والدولة إلى برّ الأمان.
ويبدو أنّ التّسوية واجهت تحديّات أخرى، قد تجعلها فاشلة قبل أن تولد. وشرح رئيس كتلة “تحالف القوى العراقيّة” أحمد المساري، والذي تضمّ كتلته ٥٤ نائباً في البرلمان الإتحاديّ، بعض التوقيتات المهمّة في إطار التّفاوض حول وثيقة التّسوية الوطنيّة بالقول: “تمّ تحديد تسليم وثيقة التّسوية من قبل التّحالف الوطنيّ، الذي قام بتسليمها إلى بعثة الأمم المتّحدة في العراق (يونامي)، وكان من المقرّر أن يقوم رئيس البعثة السيّد كوبيتش بتسليمها إلى تحالف القوى العراقيّة، ولكن أقرّ قانون الحشد الشعبيّ في البرلمان الإتحاديّ، رغم اعتراض قوى تحالف القوى العراقيّة عليه. ولذا، رفضنا تسلّمها لهذا السبب كنوع من الاعتراض على إقرار القانون المذكور”.
وأبدى أحمد المساري أسفه في حديثه مع “المونيتور” قائلاً: “لو كان إقرار القانون تأخّر يوماً واحداً لمضى تسلّم الوثيقة، وفقاً لما هو مخطّط له”. وكان عبّر المساري عن وجهة نظر كتلته تجاه قانون الحشد سابقاً، لافتاً إلى أنّ “قانون الحشد الطائفيّ ضربة قاضية لفكرة الدولة”.
ومن جهته، قلّل حسين العادلي مستشار لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنيّة المرتبطة برئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي، وهو أحد مهندسي وثيقة التّسوية الوطنيّة، من قيمة الاعتراضات على وثيقة التّسوية، مؤكّداً أنّ “التّسوية الوطنيّة ليست خياراً، وإنّما ضرورة حتميّة لأيّ تصوّر عن عراق ما بعد داعش”، وقال: “إنّ التّسوية، وان كانت قد صدرت عن التّحالف الوطنيّ، لكنّها لم تكن صادرة عن طرف محدّد في التّحالف أو تعبّر عن رؤية شيعيّة خاصّة، بل كانت نتيجة مخاض ونقاشات طويلة، بين خبراء وأطراف سياسيّة مستقلّة وأفراد من التيّارات الشيعيّة بشراكة من الأمم المتّحدة، ولم تكن تحمل بصمة تيّار محدّد أو شخصيّة معيّنة”.
والحال هي أنّ الصعوبات التي تواجه التّسوية الوطنيّة تؤشّر إلى مخاوف حقيقيّة من الصراع في فترة ما بعد “داعش”، وتبدو هذه المخاطر حقيقيّة في ظلّ عدم وجود رؤية وطنيّة موحّدة تبلور مصالحة شاملة.