المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

قراءة عراقية في إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية

قراءة عراقية في إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية [1]
 
تتكون إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية للعام ١٩٩٧ من ثلاثة أقسام رئيسية هي: الديباجة، مواد الإتفاقية، وملحق يختص بموضوعة التحكيم.
الديباجة
توفر الديباجة بفقراتها خلفية مهمة عن المشاكل التي تعالجها هذه الاتفاقية، خصوصاً تصاعد الخلاف حول المجاري المائية المشتركة مع زيادة الإستهلاك والتلوث. كذلك تتناول الأسس التي بُنيت عليها هذه الاتفاقية ومنها التعاون الدولي وحسن الجوار. كما تؤكد على أن لإقرار هذه الإتفاقية من الأهمية بحيث أنه يمكن أن يساعد في تعزيز وتنفيذ مقاصـد الأمـم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، وفي تحقيق مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء (المادة واحد و المادة إثنين من ميثاق الأمم المتحدة)[2]. وتكمن أهمية هذه الإشارة في الإقرار بأن الخلافات حول المجاري المائية المشتركة هي أمر ليس بهين بل أنها قد تهدد السلم والأمن الدوليين، مما يجعل الأمم المتحدة وبكل مؤسساتها ومن ضمنها “الجمعية العامة للأمم المتحدة” و “مجلس الامن” على سبيل المثال، معنيين بإحترام المعايير الدولية المختصة بها ومنها هذه الإتفاقية.
 وتشير الديباجة لأمر في غاية الأهمية وهو أن إقرار هذه الإتفاقية يسهم أساساً في حماية المجاري المائية وتحقيق الإنتفاع الأمثل والمستدام ليس فقط للأجيال الحالية،  بل لشركائنا في هذه الأنهار من الأجيال القادمة.
كما وتُقدم الديباجة لمحة مشفوعة بشكر للجنة القانون الدولي التي ساهمت بشكل أساس في صياغة هذه الإتفاقية، وتختتم بدعوة كل الدول بالإضافة الى المنظمات الإقليمية للإنظمام الى هذه الإتفاقية المهمة.
 
مواد الاتفاقية
تنقسم مواد الاتفاقية الى سبعة أبواب، نصت الإتفاقية نفسها على هذا التقسيم وأعطت لكل باب عنواناً خاصاً به، وأدناه إستعراض لهذه الابواب وأهم موادها وصلتها بالعراق ونهري دجلة والفرات.
الباب الاولمقدمة
يمثل الباب الأول مقدمة لما يليه من نصوص، ويتضمن أربعة مواد تحدد فيها: نطاق سريان هذه الإتفاقية، إستخدام المصطلحات، تحديد علاقة الإتفاقية بإتفاقيات المجاري المائية المتخصصة، و الأطراف في إتفاقات المجرى المائي.
ومن وجهة نظري، فإن أهم مايجدر التوقف عنده، للمهتم في الشأن العراقي، في هذا الباب هو أمرين إثنين: الأول أن نهري دجلة والفرات ينطبق عليهما تعريف “مجرى مائي دولي”  وإن العراق وسوريا هي “دول مجرى مائي” حسب القانون الدولي[3] .
وهو أمر يحسم الخلاف من وجهة نظر القانون الدولي حول إدعاء تركيا بأن نهري دجلة والفرات هما أنهار “تركية عابرة للحدود”. ويسري التعريف الذي أقرته الإتفاقية على الأنهار والبحيرات ويمتد ليشمل المياه الجوفية فتنص المادة (٢) بالفقرة (أ و ب) على التالي:
(أ) يُقصد ب «المجرى المائي» شبكة المياه السطحية والمياه الجوفية التي تشكل، بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض، كلا واحدا وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة؛
(ب) يُقصد ب «المجرى المائي الدولي» أي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة؛
ويجدر بالعراق إعتماد مصطلحات الإتفاقية هذه في كل مخاطباته الرسمية ذات الصلة وعلى كل المستويات وأن ينبه دبلوماسييه ومفاوضيه وممثليه ويدربهم حول إستخدامها باللغة العربية والإنكليزية. فليس إختيار مصطلح “مجرى مائي دولي” او “دولة مجرى مائي”[4] مجرد تفصيل بل أمر في غاية الأهمية. وإن القانون الدولي قد حسم الأمر حولهما بما لايدع مجالاً للشك، فما بالك بمن يهمل إستخدامهما أو يقلل من أهمية ذلك، بالرغم من أن فيهما حفظ لحق العراق و كذلك سوريا والبلدان الأخرى التي هي “دول مجرى مائي دولي”.
أما الأمر الثاني فيتعلق بسريان الإتفاقية وعلاقتها مع الإتفاقات الدولية الأخرى و الموجودة بين دول المجرى المائي. ومن المهم الإشارة الى أن العراق ليس له إتفاقية متخصصة مع تركيا حول نهري الفرات ودجلة. وهو أمر له سيئاته، كما من الممكن أن تكون له حسنات. أما سيئاته وهي عادة ما تحضر للمفاوض العراقي، وتكمن في صعوبة إلزام تركيا بإتفاق أو إلتزام بعينه لأن تركيا تحتج بأن لا إتفاق متخصص موقع لتقوم هي بإحترامه (طبعا هذا يهمل إتفاقات مهمة عامة لكن فيها إلتزامات حول موضوع المياه)[5].
أما مايمكن إعتباره إيجابي في هذه الحالة هو إن عدم وجود إتفاقية متخصصة بين تركيا والعراق يجعل الحكم لإتفاقية عام ١٩٩٧ وتحديداً للمبادئ العامة التي تحتويها والتي تعتبر عرفاً دولياً ملزماً لكل الدول سواء وقعت أم لم توقع على إتفاقية عام ١٩٩٧.[6] وكمثال على سريان المبادئ العامة للإتفاقية على دول لم توقع عليها نورد مثال من محكمة العدل الدولية.
في شهر أيلول من العام ١٩٩٧، إستعانت محكمة العدل الدولية عند نظرها في قضية “نهر الدانوب” الشهيرة بين هنغاريا وسلوفاكياـ بالإتفاقية وأشارت لمبدأ “الإنتفاع المنصف والمعقول” الذي ورد في المادة خمسه منها[7].
وهنالك أمرين يجب الإنتباه لهما بهذا الصدد، الأول أن إعتماد المحكمة على هذه الإتفاقية جاء بالرغم من أن  لا هنغاريا ولا سلوفاكيا كانا عضوان في الإتفاقية ذلك الوقت. أما الأمر الثاني فإن المحكمة في الحقيقة إستعانت بالإتفاقية فقط بعد أربعة أشهر من إعتماد الأمم المتحدة لها نفس العام ١٩٩٧، بالرغم من كون الإتفاقية لم تكن قد دخلت حيز النفاد كإتفاقية قانونية، وهو الأمر الذي حصل فقط في العام ٢٠١٤!
 ما نفهمه من هذا الحكم المهم من محكمة العدل الدولية (ذات الإختصاص في القانون الدولي) هو  تأكيد لتحول مبدأ “الإنتفاع المنصف والمعقول” – حجر زاوية الإتفاقية موضوع النقاش- الى عرف دولي ملزم لجميع الدول وبدون إستثناء. فاليوم لا يمكن لتركيا أو غيرها التنصل من هذا المبدأ العام المقر في القانون الدولي.
ليس هذا فحسب، بل أنا أذهب الى أن المباديء الأخرى خصوصاً ٦ و٧  من هذه الإتفاقية ملزمة لتركيا، فهذه المباديء هي إما عرف دولي ملزم أو في طريقها للتحول لعرف دولي ملزم. مع أهمية الإشارة لترابط هذه المبادئ العامة مع بعضها البعض.
وبينما يمتلك العراق إتفاقات متخصصة مع سوريا حول المياه المشتركة، لكن يجدر بالدولتين أن يراجعا إلتزاماتهما وإتفاقياتهما على ضوء الإتفاقية الدولية محل البحث، وهو ما تشجع عليه هذه الإتفاقية فهو الأضمن لحقوقهما اليوم والأهم من ذلك فهذه الإتفاقية هي الأضمن لحقوق الأجيال القادمة.
ويجدر بالعراق أن يحرص على الإشارة لهذه الإتفاقية وأن يلتزم بإدماج بنودها في كل الإتفاقيات الثنائية القادمة و المفاوضات الممهدة، والمناقشات والتي تخص نهري دجلة والفرات وراوفدهما المشتركة مع تركيا وسوريا وايران.[8] كما أن للعراق ان يشير لهذه الاتفاقية في قوانينه المحلية ودستوره الأعلى، هذا إذا أراد للأجيال القادمة ان تنال ما ناله الاولون من مياه دجلة والفرات.
يتبع…
[1] هذه المقالة تاتي بعد تمهيد عن أهمية هذه الإتفاقية نشر بعنوان “العراق و إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام ١٩٩٧”، للإطلاع على التمهيد يمكنكم قراءة الموضوع التالي: https://ar.iraqicivilsociety.org/?p=4052
[2] http://www.icj-cij.org/homepage/ar/unchart.php
[3] إنظر الفقرات أ، ب ، ج من المادة ٢ من الإتفاقية
[4] باللغة لانكليزية Watercourse   ، International watercourse
[5] يمكن الإطلاع على الدراسة “سد اليسو و الإعتبارات القانونية في العراق” وتحميلها من هنا: https://ar.iraqicivilsociety.org/?p=1264
[6] إنظر Everything you need to know about the UN Watercourses Convention, Flavia Loures
Dr. Alistair Rieu-Clarke Marie-Laure Vercambre , WWF,
[7] إنظر “الأقطار العربية وإتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية”، سلمان محمد أحمد سلمان
[8] انظر المادة ٣ من الإتفاقية