قراءة عراقية في إتفاقية قانون إستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية (٣)
إستكمالاً لما ورد في الجزء الثاني [2]
ويتخصص “الباب الثالث“ للتدابير المزمع إتخاذها خصوصاً في مجال التشاور بين الدول على المجرى المائي. و يتكون هذا الباب من تسعة مواد. وتحدد المادة 11 منه مسؤولية الدول في تبادل المعلومات المتعلقة بالمشاريع التي تريد إنجازها على مجرى مائي دولي. فتنص على التالي:
المادة ١١
تتبادل دول المجرى المائي المعلومات وتتشاور بعضها مع بعض وتتفاوض، حسب الإقتضاء، بشأن الآثار المحتملة للتدابير المزمع إتخاذها على حالة مجرى مائي دولي.
وتحدد المادة ١٢ آلية تبادل المعلومات هذه، فتتحدث عن “إخطار” يجب أن يرسل للدول المعنية وذلك قبل المباشرة بالمشاريع، تنص المادة ١٢ “الإخطار المتعلق بالتدابير المزمع إتخاذها والتي يمكن أن يكون لها أثر ضار”، على التالي :
المادة 12
قبل أن تقوم دولة من دول المجرى المائي أو أن تسمح بتنفيذ تدابير مزمع إتخاذها يمكن أن يكون لها أثر ضار ذو شأن على دول أخرى من دول المجرى المائي، عليها أن توجِّه إلى تلك الدول إخطاراً بذلك في الوقت المناسب. ويكون هذا الإخطار مصحوباً بالبيانات والمعلومات الفنية المتاحة، بما في ذلك نتائج أي عملية لتقييم الأثر البيئي، من أجل تمكين الدول التي تم إخطارها من تقييم الآثار الممكنة للتدابير المزمع إتخاذها.
وفي حالة العراق، فإنه لم يتسلم أي إخطار حول السدود التي شيدتها أو تشيدها كل من تركيا أو إيران على المجاري المائية المشتركة. كذلك فإن هذه الحكومات لم تقم أصلاً بأي دراسة لتقييم الأثر البيئي لمشاريعها على المناطق المتأثرة بتلك المشاريع، سواء كانت هذه المناطق في إطار حدودها الجغرافية أو في حدود العراق.
وحين إستقبل البنك الدولي طلباً من الحكومة التركية لتمويل سد اليسو، طلب البنك الدولي بدوره من تركيا أن تقوم بإخطار العراق بمشروع سد اليسو وآثاره المحتملة والتدابير التي يمكن أن تتخذها تركيا لتقليل خطر هذا السد على العراق. الحكومة التركية رفضت ولم تقبل حتى بأن يقوم البنك الدولي بدور الوساطة ليقوم بإخطار العراق حول المشروع. ويبدو أن هذا الرفض كان وراء عدم الموافقة من البنك الدولي على تمويل سد اليسو.[1]
وفي التاسع من كانون الثاني من عام ٢٠١٣ أصدر مجلس الدولة التركي وهو بمثابة “المحكمة الإدارية العليا” التركية في إسطنبول حكمه لصالح قضية قانونية ضد بناء مشروع سد اليسو، وطلبت المحكمة الوقف الفوري لبناء سد اليسو. حيث خلص مجلس الدولة أن بناء سد اليسو يمضي بدون تقييم الأثر البيئي المترتب على بناء وتشغيل هذا السد الكبير وهو مخالفة قانونية لقانون البيئة التركي وضد التعليمات القانونية ذات العلاقة[2]. بالطبع فإن الحكومة التركية قامت بالتحايل على هذا القرار من خلال تعديل القانون لتفادي القيام بدراسة أثر للسد. وتجاهلت حكومة العراق قرار المحكمة التركية، بينما قامت حملة إنقاذ نهر دجلة بنشر الخبر وإعتبرته نصر للمناضلين ضد هذا السد.
وتستمر مواد هذا الباب في إستعراض الخطوط العامة للمتابعات، فتتحدد المادة 13 فترة الرد على الإخطار، وتحدد المادة 14 إلتزامات الدولة التي وجهت الإخطار في أثناء فترة الرد، أما المادة 15 فتحدد إطار الرد على الإخطار، بينما تضع المادة 16 حلول في حال عدم الرد على الإخطار. بدورها تحدد المادة 17 المشاورات والمفاوضات المتعلقة بالتدابير المزمع إتخاذها. ولكون الحالة مع العراق وتركيا وإيران لا تتضمن أصلاً وجود إخطار، فسأقوم بالتركيز على المادة ١٨ والتي تتعلق بالإجراءات الواجب إتباعها في حالة عدم الإخطار. وتنص هذه المادة على التالي:-
المادة 18
1- إذا كان لدى دولة من دول المجرى المائي أسباب معقولة للإعتقاد بأن دولة أخرى من دول المجرى المائي تزمع إتخاذ تدابير يمكن أن يكون لها أثر ضار ذو شأن عليها، جاز للدولة الأولى أن تطلب إلى الدولة الثانية تطبيق أحكام المادة 12، ويرفق بالطلب شرح مدعم بالمستندات يبيّن أسبابه.
2- إذا وجدت الدولة التي تزمع إتخاذ التدابير، مع ذلك، أنها غير ملزمة بتوجيه إخطار بموجب المادة 12، فعليها أن تعلم الدولة الأخرى بذلك، مقدمة شرحاً مدعماً بالمستندات يبيِّن الأسباب التي تقوم عليها هذه النتيجة. وإذا لم تقنع هذه النتيجة الدولة الأخرى، تدخل الدولتان فوراً، بناء على طلب هذه الدولة الأخرى، في مشاورات ومفاوضات على الوجه المبيَّن في الفقرتين 1 و2 من المادة 17.
3- تمتنع الدولة التي تزمع إتخاذ التدابير، أثناء المشاورات والمفاوضات، عن تنفيذ هذه التدابير أو السماح بتنفيذها لفترة ستة أشهر، إذا طلبت إليها ذلك الدولة الأخرى وقت طلبها بدء المشاورات والمفاوضات، ما لم يتفق على خلاف ذلك.
وكما يتضح من الفقرة (١) من المادة، فإن العراق في حالة سد اليسو على سبيل المثال، وكونه لم يتسلم أي إخطار من تركيا حول إنشاء سد اليسو، ولأن لهذا السد ضرر كبير على موارد العراق من المياه نوعاً وكماً، فإن الحكومة العراقية يجب أن تطالب تطبيق أحكام المادة ١٢ المذكورة أعلاه، ليس لكون تركيا عضواً في الإتفاقية (فتركيا ليست عضو) ولكن لكون هذه الإجراءات تقع ضمن الأعراف الدولية والمبادئ العامة التي تحكم علاقة الدول في هذا الموضوع.
للأسف، على حد علمنا لم يقم العراق بمثل هذه المخاطبات ولم يتخذ أي خطوات بهذا الصدد. كما أن تركيا لم تلتزم بأي نوع من الإبلاغ الرسمي حول إنشاء السد.
أما المادة 19 فتتخصص في (التنفيذ العاجل للتدابير المزمع إتخاذها) ويقصد بها حالات عاجلة وطارئة تحتم على الدول بناء منشأة ما، وبالتأكيد فإن بناء السدود العملاقة كسد اليسو لا يدخل ضمن الإجراءات العاجلة التي تعمل على حماية الصحة العامة أو السلامة العامة!
“الباب الرابع– الحماية والصون و الإدارة“
ويتخصص الباب الرابع بموضوع الحماية والصون والإدارة ، ويشمل: حماية النظم الإيكولوجية وصونها (المادة 20)، و منع التلوث وتخفيضه ومكافحته (المادة 21) ، وتنص المادة ٢١ على تعريف للتلوث و على دور الدول ومسؤوليتها في مواجهته، فتنص المادة على التالي:-
المادة ٢١
1- في هذه المادة، يقصد بـ »تلوث المجرى المائي الدولي «أي تغيير ضار في تركيب مياه المجرى المائي الدولي أو في نوعيتها ينتج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن سلوك بشري.
2- تقوم دول المجرى المائي منفردة، أو مجتمعة عند الإقتضاء، بمنع وتخفيض ومكافحة تلوث المجرى المائي الدولي الذي يمكن أن يسبب ضرراً ذا شأن لدول أخرى من دول المجرى المائي أو لبيئتها، بما في ذلك الضرر بصحة البشر أو بسلامتهم، أو لإستخدام المياه لأي غرض مفيد، أو للموارد الحية للمجرى المائي، وتتخذ دول المجرى المائي خطوات للتوفيق بين سياساتها في هذا الشأن.
3- تتشاور دول المجرى المائي، بناءً على طلب أي دولة منها، بغية التوصل إلى تدابير وطرق تتفق عليها فيما بينها لمنع تلوث المجرى المائي الدولي والحدّ من التلوث ومكافحته من قبيل:
(أ) وضع أهداف ومعايير مشتركة لنوعية المياه؛
(ب) إستحداث تقنيات وممارسات لمعالجة التلوث من المصادر الثابتة والمنتشرة؛
(ج) وضع قوائم بالمواد التي يجب حظر إدخالها في مياه المجرى المائي الدولي أو الحد من إدخالها أو استقصاؤه أو رصده.
وتتخصص المادة 22 بموضوع “إدخال أنواع غريبة أو جديدة”، والمادة 23 بموضوع “حماية البيئة البحرية وصونها”، والمادة 24 بموضوع الإدارة والمقصود بها التخطيط و التنمية المستدامة للمجرى المائي الدولي و تعزيز الانتفاع بالمجرى المائي وحمايته والتحكم فيه بطريقة رشيدة وعلى الوجه الأمثل. وتتعرض المادة 25 لموضوع ضبط تدفق مياه المجرى المائي الدولي، دائما على اساس منصف. بينما تحدد المادة 26 جهود الدول لصيانة وحماية الإنشاءات المتصلة بالمجرى المائي الدولي. ومرة أخرى تحدد الإتفاقية ضرورة الحوار فتنص الفقرة ٢ من هذه المادة على التالي:-
2- تدخل دول المجرى المائي، بناءً على طلب أي دولة منها لديها أسباب معقولة للإعتقاد بأنها قد تتعرض لآثار ضارة ذات شأن، في مشاورات بشأن ما يلي:
(أ) تشغيل وصيانة الإنشاءات أو المرافق، أو الأشغال الهندسية الأخرى المتصلة بالمجرى المائي الدولي، بطريقة مأمونة؛
(ب) حماية الإنشاءات، أو المرافق، أو الأشغال الهندسية الأخرى من الأفعال المرتكبة عمداً أو الناشئة عن إهمال أو بسبب قوى الطبيعة.
[1] من مقابلة اجريتها مع الخبير المائي سلمان محمد سلمان، خبير متخصص عمل في البنك الدولي