إنتفاضة المياه من البصرة تضيف خمسة عشر شهيد و تعيد رسم التحالفات السياسية في العراق
مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي
١١ ايلول ٢٠١٨
خاطب احد شيوخ البصرة السيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قائلاً: ” افتح اي حنفيه مياه وجرب واشرب منها اذا استطعت“ واسترسل ”لماذا تعاملون سكان البصرة وكأنهم مواطنين من الدرجة الثانية“.
وطالب الشيخ اعتذار الحكومة العراقية عن وصف المحتجيين الذين خرجوا خلال الفترة الماضية للاحتجاج على الاوضاع في مدينتهم”بالمندسين“ والمباشرة بتعويض عوائل ضحايا الاحتجاج فوراً. دار هذا الحوار خلال زيارة العبادي و وفد من حكومته للبصرة يوم ١٠ ايلول، وإجتماعه في فندق شيراتون البصرة بعدد من شيوخ المدينة والحكومة المحلية فيها، بعد ان تصاعد الاحتجاج الذي راح ضحيته وخلال اربعة ايام ١٥ عشر مواطن وجرح حوالي ١٩٠ اخرين.
فيما نظم عدد من المواطنين والناشطين المدنيين في البصرة بشكل عام وفي ناحية عزالدين سليم (الهوير سابقا) شمال البصرة، مسيرات لاستذكار ضحايا تظاهرات المحافظة، وحملات لتنظيف الشوراع.
واكتسبت حركة الاحتجاج السلمي المستمرة في البصرة والتي يمكن تسميتها ب“انتفاضة المياه“ زخماً مضافاً بعد ان انتشرت تقارير تؤكد ارتفاع حالات التسمم جراء تلوث مياه الشرب، وازيادة نسبة الملوحة في”شط العرب” مصدر تغذية مشاريع الإسالة، لتصل الى 7500 tds، بحسب وزارة الموارد المائية العراقية، في حين تصف منظمة الصحة العالمية المياه بانها غير صالحة للاستهلاك البشري اذا تجاوزت نسبة الاملاح فيها 1200 tds.
مفوضية حقوق الإنسان في العراق قدرت بان 18 ألف شخص أصيبوا بأمراض مختلفة جراء تلوث مياه الشرب بمحافظة البصرة، واصدرت وزارة الصحة تقارير عن حالات تسمم، بينما حذر رجال الدين وشيوخ العشائر من تداعيات استمرار مشكلة تلوث المياه ومن احتمال انتشار وباء الكوليرا. فيما نزل المحتجون بقوة، واعترضوا على استمرار الحكومة بأطلاق وعود بتحلية المياه ومعالجة التلوث وتوفير الخدمات للمدينة، دون اي تغيير ملموس على ارض الواقع. فانطلق عشرات الالوف من المواطنين يوم الاثنين الثالث من ايلول، في تظاهرات متصاعدة تحولت الى غضب عارم استمر طيلة الاسبوع.
حرق عدد من المحتجون مبنى الحكومة المحلية و مباني عدد من الاحزاب والمليشات المسلحة وكذلك مقر القنصلية الايرانية، على اثر سقوط عدد كبير من الضحايا بعد مواجهات مع قوات الامن. واغلق المحتجون ميناء البصرة وعدد من الشوارع وحاصروا مبنى القنصلية الامريكية. ونشرت صفحات التواصل الاجتماعي افلام توضح قيام مجاميع مسلحة ترتدي زي الشرطة تقوم باطلاق نار حي على المحتجين بينما يواجههم المحتجون بالحجارة (رابط لاحد هذه الافلام). ونشرت صور لسيارات تابعة للاحزاب تقوم بدهس المتظاهرين، وغطت صفحات التواصل الاجتماعي وخصوصا ”الفيسبووك“ عدد كبير من هذه الحوادث، ومنها ”صفحة البصرة“
من جانبهن شاركت نساء البصرة بقوة في هذه الاحتجاجات وحمل البعض منهم لافتات منددة بقتل المحتجين العزل و مرددين شعار ”هذا وعد هذا وعد ، البصرة ما تسكت بعد“. في حين نظمت عدد من المدن العراقية وقفات تضامن مع البصرة، وشهدت بغداد مسيرة احتجاج في ساحة التحرير جرت في اجواء متوترة حيث اغلقت الشوارع المؤدية الى الساحة وامتلئت بعناصر قوات مكافحة الشغب.
على اثر ذلك دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى جلسة استثنائية للبرلمان لبحث الأزمة في البصرة التي وصفها بأنها مدينة بلا “ماء ولا كهرباء ولا كرامة“. وبالفعل عقد البرلمان العراقي الجديد جلسة يوم ٩ ايلول بثت على الهواء، استضاف خلالها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي و معظم الوزراء العراقيين بالاضافة الى محافظ البصرة. وشهدت هذه الجلسة تبادل الاتهامات بين المحافظ من جهة وبين ورئيس الوزراء وحكومته عن التقصير الحاصل في توفير المياه والخدمات لابناء البصرة بالرغم من الوعود التي اطلقت ومنذ بداية سلسلة الاحتجاج قبل حوالي شهرين. وقال المحافظ ”من يستمع للحكومة هنا يتصور ان البصرة تعيش بخير“ وتابع ”اخوان البصرة تحترق الان“ وعلى اثر هذا طالب عدد من النواب، ومنهم نواب ”كتلة الفتح“ و ”سائرون“، العبادي بالاسقالة فوراً ، وعدت الجلسة نقطة تحول تلغي فرص استمرار العبادي في حكم العراق في المرحلة القادمة، وتؤشر لاتفاق محتمل بين المعترضين عليه.
ومنذ زيارة العبادي التي ذكرناها في مقدمة هذا المقال، والتي تلت مباشرة جلسة البرلمان، عاد الهدوء للمدينة، وتوالت اخبار من الوزارات العراقية عن خطوات جديدة لحل مشاكل المياه وتشغيل محطات التحلية والتصفية وتوفير خدمات للمدينة. واعلنت وزارة النقل عن تنازلها عن المبنى الجديد لشركة الموانئ الواقع في منطقة المعقل ليكون ديوان جديد لمحافظة البصرة، بدل الذي احرق.
وعلق احد النشطاء من البصرة قائلا :“ايها المواطن البصري، اذا وصلك الماء الصالح للشرب، فتذكر ان ثمنه كان باهض، انه ماء معمد بدماء الشهداء من شباب حركة الاحتجاج في البصرة“. من جانبهم يتوعد المحتجون بانهم سيراقبون التطورات بحذر وان الاحتجاج قد يعود في حال تخلت الحكومة عن اهل البصرة وحقوقهم المشروعة مرة اخرى.
الى ذلك اصدر الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق بياناً بتاريخ 17 سبتمبر ندد فيه بالانتهاكات التي يتعرض لها المتظاهرين السلميين في البصرة وطالب السلطات المسؤولة اطلاق سراح الشباب المعتقلين على خلفية مشاركتهم في الحركة الاحتجاجية والسماح لذويهم بزيارتهم والتعرف على ظروف اعتقالهم، كما ندد البيان بالدور الذي لعبته الميليشيات واحزاب السلطة في قمع تظاهرات البصرة، فيما اشار بيان الاتحاد الى اعتقال 30 ناشط يوم 16 سبتمبر بعد حملة تشهير ممنهجة بحقهم سبقت لك. كما دعى البيان المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان لمطالبة الحكومة العراقية بالكف عن اعتقال الناشطين والافراج الفوري عن المعتقلين منهم. (اقرأ البيان من هنا).
فيما اصدر عدد من منظمات المجتمع المدني في العراق بياناً مشترك نددت فيه بالاجراءات التعسفية التي تطال الشباب المتظاهرين في البصرة، كما ادان البيان بشكل مباشر وزارة الداخلية العراقية متهماً اياها بأنها الجهة المسؤولة عن هذه الانتهاكات، واصفاً ما يحدث بالسلوك اللا دستوري وانتهاكاً لمواثيق الحريات واتفاقيات حقوق الانسان المنصوص عليها دولياً. وبلغ عدد المنظمات الموقعه على هذا البيان 14 منظمة عراقية.