المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

البصرة: بين التظاهر كحق في الدستوير، والدخول في نفق التسويف

إنجليزي | English

من المعلوم ان حركة الاحتجاج والتظاهر في الببصرة لم تتوقف منذ سنوات بسبب سوء الخدمات وانعدام الاستقرار في المدينة، غير ان الاحتجاجات شهدت ولادة جديدة بوتيرة متصاعدة في تموز من عام 2018، حيث حملت ساحة الاحتجاجات اهداف محددة حينها كان في مقدمتها المطالب الخدمية (صحة، تعليم، مياه شرب صالحة للاستخدام البشري غير ملوثة، الكهرباء اضافة الى فرص العمل في القطاع العام  حيث صعوبة الحصول على وظيفة حكومية اضافة الى ان التوظيف في الشركات الاجنبية بات حلما يراود الشباب البصري لانه غير قادرا على الوصول له).

ان تراكم الازمات في البصرة وعدم إلتفات الحكومة لمطالب الجماهير او محاولة معالجتها و حصر الوظائف والمشاريع الخدمية بيد جهات متنفذة، ادى الى ارتفاع حدة الحراك الشعبي، خاصة بعد تزايد مؤشرات الفساد والكشف عن العديد من صفقات بيع وشراء المناصب. الامر الذي دفع المتظاهرين لتصعيد المطالبات بضرورة القضاء على الفساد ومحاسبة المفسدين والاصلاح السياسي، فيما ذهب البعض للمطالبة بالتغيير الجذري للحكومة المحلية في المدينة.

من جانب اخر شهد العام الماضي حالات تلوث للمياه بشكل كبير تضاعفت معه اعداد المصابين من السكان بمختلف الامراض والاوبئة، حيث ادت هذه الازمة  الى إصابة أكثر من 100,000 مواطن، في وقت ان الخدمات الصحية في البصرة تكاد تكون شبه معدومة و تقتصر على مستشفى واحد رغم ارتفاع مخاطر التعرض للمياه الملوثة و الغازات المسرطنة.

يعتقد الشارع البصري ان هناك تدخلات واضحة وخطيرة لشركات النفط في البصرة. حيث ان البصرة من أكثر المحافظات إصابة بمرض السرطان و التشوهات الخلقية لا سيما في المناطق القريبة من مصادر التلوث (شركات استخراج النفط والغاز). فيما يرى آخرون دوراً اكبر ضرراً بالاضافة لآثار التلوث الناتج عن هذه الشركات، حيث انهم يقومون بأستهلاك موارد البصرة من المياه لاستخدامها بحقن الابار النفطية خلال العمليات التنقيبية اللازمة لإستخراج النفط في تجاوز يعتبره البصريين صارخاً، وهو ما تسبب بانخفاض منسوب المياه في شط العرب، وزيادة تركيز الاملاح القادمة من الخليج وتلوث شط العرب بفعل الملوثات ومياه المجاري المائية التي غطت مساحات شاسعة من المزروعات مما أدى الى نفوق الحيوانات والاسماك وهجرة بعض والطيور النادرة من المنطقة، حيث يصل الان  تركيز الاملاح المعدنية في مياه البصرة الى أكثر من 20 مرة اعلى من المواصفات الموصى بها حسب المعايير العراقية. ويذكر ان سمية هذه المياه ليس بسبب مد الاملاح القادم من الخليج العربي وانما بسبب دفع الملوثات (مخلفات صناعية وبتروكيماوية) عن طريق المبازل سواء تلك القادمة من دول الجوار او من داخل البصرة بإتجاه شط العرب فضلا عن ربط قنوات الصرف الصحي معها. لذلك ينصح الفريق بضرورة عدم استخدامها للأحتياجات المعيشية ويتسائل عن سبب استمرار الحكومة العراقية بضخها كمياه إسالة.

الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرون

تصاعدت حدة الانتهاكات في البصرة بشكل كبير تجاوز مستوياته في السنوات الماضية حيث تعرض مواطنين في البصرة على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات الى انتهاكات كبيرة. استنادا الى بيانات مفوضية حقوق الانسان، فان الفترة بين 1/8 لغاية 7/9  شهدت اعتقال 425 شخصاً على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات وسقوط 20 شهيدا و492 جريحاً بينهم 80 منتسبين في القوات الأمنية. ثبت من خلال المقابلات مع شهود عيان ان القوات الأمنية لجأت الى الاستخدام المتعمد للرصاص الحي ضد المتظاهرين في تظاهرات صيف 2018 وكذلك عمليات تعذيب شهدت موت بعض المعتقلين بسببها، بالاضافة للضرب المفرط اثناء الاعتقال من قبل القوات الأمنية للمتظاهرين كما حصل في بعض الحوادث حيث ادى التعذيب الى مقتل المتظاهرين في المعتقل، حيث تم ضرب احدهم بشكل مفرط من قبل القوات الامنية،  مما ادى الى كسر جمجمته وتسبب له بنزيف حاد. وحوادث خطف وقتل أخرى من قبل جهات مجهولة. كما ان الكثير من الاعتقالات تمت بناء على قوائم أسماء من دون اصدار مذكرات اعتقال قضائية (وفي بعض الحالات تحصل عمليات اعتقال عشوائية لجماعات من المتظاهرين اثناء التظاهرات او بعدها) مع توجيه تهم ملفقة لهم لغرض توقيفهم ولا يتم إطلاق سراحهم الا بكفالة وتعهد بعدم التظاهر مجددا، او يتم امضائهم على اوراق بيضاء لا يعلمون ما الذي سيتم وضعه فيها فيما بعد ( بعد توقيعهم عليها قسريا ).

كما ان النساء البصريات (المتظاهرات )  يواجهن مخاطر خاصة كتعرضهن الى تهديدات صريحة بالاعتقال او القتل من قبل جهات مجهولة، وتشويه السمعة او الطعن بالعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، او القتل كما حصل مع السيدة ( سعاد العلي ) وهي ناشطة في حقوق الانسان قتلت في البصرة،  من قبل جهات مجهولة على خلفية مواقفها المؤيدة للتظاهرات ومشاركتها فيها، كما انتشر فديو في مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه رجل مجهول يطلق النار على سعاد العلي عند دخولها الى سيارتها قرب اسواق صغيرة في حي العباسية واصيب معها رجل اخر في ذات الحادث يعتقد انه السائق الخاص بها.

التضامن مع المتظاهرين

اطلق العراقيون حملات تضامن تتمثل في :

– حملة انقذوا البصرة بعد انتشار صور ومقاطع فيديو للمئات من المواطنيين البصريين وهم يرقدون في المستشفيات يعانون من التسمم بسبب المياه.

– كما ان عملية قطع الانترنت التي قامت بها الحكومة العراقية، و حظر عدد من وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لعزل العراق عن المجتمع الدولي. بادر حينها الشباب العراقي الى استخدام بدائل للتواصل، مثل استخدام “الشبكة الافتراضية الخاصة” وتطبيقات اخرى يمكن لهم من خلالها التواصل بدون انترنت، لايصال الاحداث للمجتمع الدولي مطالب بالانتباه للحراك الشعبي العراقي. وانتشر هاشتاك انقذوا الشعب العراقي وانقذوا البصرة باللغة الانكليزية،  والتزم عدد كبير من المؤيدين للاحتجاج بكتابة تعليقات على صفحات التواصل التابعة لوكالات عالمية مثل السي ان ان و بي بي سي،  لغرض لفت انتباههم واجبارهم على تغطية الاحتجاج. و بالفعل نجح الشباب العراقي باجبار صفحة السي ان ان على الفيسبوك بكتابة خبر عن الاحتجاج في جنوب العراق.

مطالب المبادرة اثناء التظاهرات :

 طالب تحالف المجتمع المدني ومبادرة التضامن مع المجتمع المدني الحكومة العراقية بالتالي:

١- توجيه قواتها الأمنية بعدم استخدام الرصاص الحي او القوة المفرطة ضد المحتجين والمتظاهرين، والايعاز بمحاسبة من قام او يقوم بذلك.

٢- فتح تحقيق بشان الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات الاخيرة وضمان محاسبة المسؤولين وتامين التعويض المناسب لعوائل هؤلاء الضحايا.

٣- اطلاق سراح المحتجزين الذين احتجزوا خلال الاسبوعين الماضيين بسبب مساهمتهم بالاحتجاجات في محافظات جنوب ووسط العراق وفي العاصمة بغداد.

٤- ضمان سلامة المحتجين بشكل سلمي وعدم تعريضهم للتهديد او التخويف والتصريح علنا بضمان حرية التجمع والتظاهر السلمي و الاتزام بهذا الاعلان بشكل عملي.

٥- فتح حوارات مع لجان وتنسيقيات التظاهر للاستماع الى مطالبهم بشكل عام والالتزام بالشفافية في التعامل مع هذه المطالب خصوصا وان جلها يتجه نحو مكافحة الفساد وتوفير الخدمات للمواطنين جميعا.

كما دعى التحالف، المجتمع الدولي وخصوصا مكتب مساعدة العراق التابع  للامم المتحدة و بعثة الاتحاد الاوربي المتحدة ومنظمات حقوق الانسان الدولية الى التعامل بجدية مع ما يجري في العراق  خصوصا فيما يتعلق بخروقات حقوق الانسان المخالفة للمواثيق الدولية كون العراق عضوا فيها , و حث جميع هذه الجهات  لللضغط على الحكومة العراقية لمناقشة مطالب الجماهير.

قامت مبادرة التضامن كذلك بعقد جلسة حوارية بالتعاون مع المنتدى الاجتماعي العراقي في نوفمبر 2018، حضرها عدد من المنظمات المحلية والمدافعين عن حقوق الانسان، تضمنت عدة توصيات منها العمل بجدية على اعداد مسودة قانون لحماية المدافعين عن حقوق الانسان.

المصادر :
– مقابلات خاصة مع المدافعين عن حقوق الانسان في البصرة .
– تقرير تقصي الحقائق / مجموعة من منظمات المجتمع المدني العراقي

– تقارير اخبارية

– تقرير منظمة العفو الدولية 2018

– بيان مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي

نور علي

مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي