مراقبة تمويل حملات الأحزاب العراقية: شعار غير قابل للتطبيق
كشفت مفوضية الانتخابات العراقية أخيراً عن نيّتها تطبيق البند القانوني المتعلق بمراقبة مصادر تمويل الأحزاب العراقية، التي ستشارك في الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. أمر يستبعده نواب وسياسيون، معتبرين أنه غير قابل للتطبيق في ظل قدرة قوى سياسية على إخفاء حقائق متعلقة بمصادر تمويلها، فضلاً عن امتلاك بعضها نفوذاً داخلياً وعلاقات خارجية تجعلها في مأمن من أي إجراءات للمراقبة.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي، أخيراً، إن “المفوضية ستطبق البند المتعلق بتنظيم الحملات الانتخابية للأحزاب التي ستشارك في الانتخابات المقبلة ومراقبة مصادر تمويلها ضمن قانون الانتخابات”، موضحة أن “المفوضية ماضية في تهيئة إجراءات أخرى متعلقة بالحملة الانتخابية”.
إلا أن عضو البرلمان العراقي علي مانع، استبعد إمكانية نجاح المفوضية في مراقبة تمويل الأحزاب، مؤكداً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنها لا تمتلك القدرة على ذلك. وأشار إلى صعوبة تحديد أي جهة لمصادر الأموال الخارجية التي تصل إلى الأحزاب، معتبراً أن هذا الأمر يتطلب عملاً استخبارياً قوياً، وتنسيقاً دولياً عالي المستوى، كي يتم كشف ومعرفة مصادر تمويل الأحزاب.
وأضاف مانع أن “الأحزاب لديها القدرة والإمكانيات لتخفي الكثير من الحقائق التي تبحث عنها مفوضية الانتخابات”، لافتاً إلى أن “تسجيل الأموال في المصارف الدولية لا يكون بأسماء شخصيات سياسية معروفة، بل بأسماء غير معروفة في الأوساط العراقية”. وقال إن “بعض القوى السياسية حصلت على الأموال بطرق غير قانونية من خلال هيمنتها على الوزارات والحكومات المحلية، والفشل في تحديد مصادر تمويل الأحزاب منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ولغاية اليوم يعود إلى عدم الجدية في حسم هذه القضية”. وأشار إلى انعدام وجود جهة رقابية حقيقية تتولى مهمة مراقبة تمويل الأحزاب، لأن أغلب الجهات الرقابية الحالية هي جهات تابعة لأحزاب وكتل سياسية.
في المقابل، أقرّ مسؤول في مجلس أمناء مفوضية الانتخابات بما سمّاه “وجود واقع آخر مختلف تماماً عن الأماني أو الطموحات لمفوضية الانتخابات بتنظيم عملية اقتراع نظيفة كلياً”. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أن جميع الانتخابات السابقة تم تمويل حملات الأحزاب فيها من المال العام، وهناك قوى سياسية سخّرت إمكانيات وزارات كاملة لصالحها بسبب المحاصصة الطائفية، التي حوّلت الوزارات إلى حصص بين الأحزاب.
ولفت إلى أن هناك “خللاً قانونياً كبيراً في ما يتعلق بمراقبة تمويل الأحزاب، إذ إن القانون منح حق مراقبة المصادر المالية للتيارات السياسية في مفوضية الانتخابات، وليس للقضاء أو هيئة النزاهة، وفي ذلك تقييد كبير لحرية المراقبة”. وأشار إلى أنه “على الرغم من إقرار قانون للأحزاب قبل 6 سنوات، فإن العمل في ملف تمويل الأحزاب لم يتقدّم خطوة واحدة، ولا يمكن أن يتقدّم في ظل وجود قوى سياسية مسيطرة على المشهد السياسي منذ عام 2003 من دون أن يتمكن أحد من محاسبتها”.
وكان البرلمان قد أقرّ القانون رقم 36 لسنة 2015، وهو أول قانون للأحزاب في العراق بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، إلا أن هذا القانون تعرض لانتقادات كبيرة بسبب صياغته التي أهملت نقاطا مهمة، منها ارتباط الأحزاب بالخارج ومصادر التمويل وكشف الذمم المالية وكذلك النظام الداخلي، واستمرار امتلاك الكثير من الأحزاب أجنحة مسلحة. وفشلت كل المحاولات التي بذلتها قوى سياسية عراقية في السنوات السابقة لطرح تعديل جديد لقانون الأحزاب المعمول به في البلاد، بسبب ما اعتبرته هفوات داخل القانون تسمح لكثير من الأحزاب باستغلالها.
وأشار القيادي في تحالف “النصر” صادق المحنا، إلى أن حديث مفوضية الانتخابات بشأن مراقبة تمويل الأحزاب جاء من أجل إثبات الوجود، لافتاً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى “صعوبة المراقبة أو تحقيق أي نتيجة في هذا المضمار، فكثير من الأحزاب ممولة من قبل دول معروفة، وكل حزب منها يعتمد على جهة محددة في تمويله، والتمويل لا يقتصر على الأحزاب، بل إن بعض الأشخاص يحصلون على تمويل كبير أيضاً من قبل دول وجهات مختلفة”.
وأضاف المحنا أن “أحد النواب مثلاً يقوم بصرف 5 مليارات دينار عراقي (ما يعادل 3.4 ملايين دولار)، في الانتخابات، هذا الأمر يجب أن يُسأل عنه”. وأشار إلى أن “المال السياسي السائب في الشارع يمكن أن يؤثر في الانتخابات، كما سبق أن أثر في الانتخابات السابقة (التي جرت عام 2018)”. ولفت إلى أن بعض الأحزاب حصلت على جزء من أموالها عن طريق العقود الحكومية، وسرقة أموال الدولة، وحصلت على الجزء الآخر من خلال الارتباط بالأجنبي”. ورأى أن سبب فشل جهود مراقبة تمويل الأحزاب منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، يعود إلى “ضعف الانتماء للوطن، والخلل في المراقبة والمحاسبة”.